التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب عقد الإزار على القفا في الصلاة

          ░3▒ بَابُ عَقْدِ الإِزَارِ عَلَى القَفَا فِي الصَّلَاةِ
          وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ: صَلَّوْا مَعَ النَّبِيِّ صلعم عَاقِدِي أُزْرِهِمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ.
          هذا التَّعليق خرَّجه مسندًا في باب: إذا كان الثَّوب ضَيِّقًا كما ستعلمه قريبًا بزيادةٍ [خ¦361]، والإزار يُذَكَّر ويُؤَنَّث، سُمِّيَ إزارًا؛ لأنَّه يُشَدُّ به الظَّهر، قال تعالى: {فَآَزَرَهُ} نبَّه عليه الدَّاوُدِيُّ، وفي «المحكم» أنَّه الملحفة، ويُقَالُ: فيه مئزرةٌ، عن اللِّحْيَانِيِّ.
          352- ثمَّ ساقَ حديثَ وَاقِدِ بنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ قَالَ: (صَلَّى جَابِرٌ فِي إِزَارٍ عَقَدَهُ مِنْ قِبَلِ قَفَاهُ وَثِيَابُهُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى المِشْجَبِ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: تُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا صَنَعْتُ ذَلِكَ لِيَرَانِي أَحْمَقُ مِثْلُكَ وَأَيُّنَا كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلعم).
          وهذا الطَّريق انفرد به البخاريُّ، وفي مسلمٍ أنَّ المقول فيه عُبَادَةُ بنُ الوليدِ بنِ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ.
          353- ثمَّ ساقَ مِنْ حديثِ مُحَمَّدٍ أيضًا قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ: (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلعم يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ).
          و(المِشْجَبِ) _بكسر الميم_ أعوادٌ متداخلةٌ يُجعل عليها الثِّياب، ويُؤخَذ مِنْ فعل جابرٍ أنَّ العالم يأخذ بأيسر الشَّيء مع قدرته على أكثر منه، توسعةً على العامَّة، وليُقْتَدَى به، ألا ترى أنَّه صلَّى في ثوبٍ واحدٍ وثيابه على المشجب، ففي ذلك جواز الصَّلاة في الثَّوب الواحد لمَنْ يقدر على أكثر منه، وهو قول جماعة الفقهاء، إلَّا أنَّه قد رُوِيَ عن ابنِ عُمَرَ خلاف ذلك، ورُوِيَ عن ابنِ مَسْعُودٍ مثل قول ابنِ عُمَرَ، روى ابنُ أبي شَيْبَةَ عنه: ((لَا يُصَلِّيَنَّ في ثَوْبٍ واحدٍ وإِنْ كَانَ أوسعَ ما بينَ السَّمَاءِ والأَرْضِ)).
          ورُوِيَ عن مُجَاهِدٍ أيضًا: ((لَا يُصَلِّي في ثَوْبٍ واحدٍ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ غَيْرَهُ)).
          وقول ابنُ بَطَّالٍ: إنَّ ابنَ عُمَرَ لم يُتابع على قوله، فيه نظرٌ إذن، نعم عامَّة الفقهاء على خلافه، وفيه الأحاديث الصَّحيحة عن جماعةٍ مِنَ الصَّحابة: جابرٍ وأبي هريرةٍ وعُمَرَ بنِ أبي سَلَمَةَ وسَلَمَةُ بنُ الأكوعِ.
          وعقد الإزار على القفا في الصَّلاة إذا لم يكن مع الإزار سراويل ولا مئزرٌ، هو معنى الحديث السَّالف في الباب قبله ((يَزُرُّهُ وَلَو بِشَوكَةٍ)) وهو تأكيدٌ في ستر العورة في الصَّلاة، لأنَّه إذا عقد إزاره في قفاه وركع لم تبدُ عورته، فلذلك كانت الصَّحابة تعقد أزرهم في الصَّلاة إذا لم يكن تحتها ثوبٌ آخر، نعم، في «صحيحِ ابنِ حِبَّانَ» مِنْ حديث نافعٍ عن ابنِ عُمَرَ مرفوعًا: ((إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّزِرْ وَلْيَرْتَدِ))، ولابنِ القَطَّانِ صحيحًا: ((إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَلْبِسْ ثَوْبِيْهِ فاللهُ أَحَقُّ مَنْ تُزُيِّنَ لَهُ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيَتَّزِرْ وَلَا يَشْتَمِل اشتِمَالَ اليَهُودِ)).
          والمراد بالأحمق في حديث جابرٍ: الجاهل كما سيأتي في باب الصَّلاة بغير رداءٍ [خ¦370]، فلا بأس بالعالِم أن يصفَ بالحمق مَنْ جهل دينه، وأنكر على العلماء ما غاب عنه علْمُهُ مِنَ السُّنَّة.