التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما يذكر في الفخذ

          ░12▒ بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الفَخِذِ
          ساق البخاريُّ ☼ فيه أحاديث مُعَلَّقَةً ومسندةً فقال:
          (وَيُرْوَى عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ وَجَرْهَدٍ وَمُحَمَّدِ بنِ جَحْشٍ عَنِ النَّبِيِّ صلعم: الفَخِذُ عَوْرَةٌ، وَقَالَ أَنَسٌ: حَسَرَ النَّبِيُّ صلعم عَنْ فَخِذِهِ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ، وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ حَتَّى يُخْرَجَ مِنَ اخْتِلاَفِهِمْ، وَقَالَ أَبُو مُوسَى: غَطَّى النَّبِيُّ صلعم رُكْبَتَيْهِ حِينَ دَخَلَ عُثْمَانُ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي)، ثمَّ أسند حديث أَنَسٍ السَّالف.
          الكلام على هذه الأحاديث مِنْ وجوهٍ:
          أحدها: التَّعليق الَّذي علَّقه البخاريُّ عن ابنِ عَبَّاسٍ وجَرْهَدٍ ومُحَمَّدِ بنِ جَحْشٍ، قال البَيْهَقِيُّ في «خلافيَّاته» و«سننه» فيها: هذه أسانيد صحيحةٌ يُحتَجُّ بها، وخالفه ابنُ حزمٍ في ذلك وقال: إنَّها ساقطةٌ واهيةٌ، وليس كما ذكر كما أوضحته في تخريجي لأحاديث الرَّافعيِّ.
          أمَّا حديث ابنِ عَبَّاسٍ: فأخرجه التِّرْمِذِيُّ، وقال: حسنٌ غريبٌ.
          وأمَّا حديث (مُحَمَّدِ بنِ جَحْشٍ): فرواه أحمد والحاكم في «مستدركه»، وذكره التِّرْمِذِيُّ، وأمَّا حديث جَرْهَدٍ فرواه مالكٌ في «موطَّئه» والتِّرْمِذِيُّ مِنْ طرقٍ، وحسَّنه مَرَّةً، وزاد مَرَّةً أنَّه غريبٌ، وقال مَرَّةً: ما أرى إسناده بمتَّصلٍ، وصحَّحه ابنُ حِبَّانٍ، وقال الحاكمُ: صحيح الإسناد، وقال الطَّبَرِيُّ في «تهذيبه»: الأخبار الَّتي رُوِيَت عن النَّبيِّ صلعم أنَّه دخل عليه أبو بَكْرٍ وعُمَرُ، وهو كاشفٌ عن فخذيه، واهية الأسانيد، لا يثبت بمثلها حُجَّةٌ في الدِّين، والأخبار الواردة بالأمر بتغطية الفخذ، والنَّهي عن كشفها أخبارٌ صحاحٌ.
          الثَّاني: (جَرْهَدٍ) _بفتح الجيم_ وهو ابنُ عبدِ اللهِ بنِ رِزَاحِ بنِ عَدِيِ بنِ سهمِ بنِ الحارثِ بنِ سلامانَ بنِ أسلمَ، شهد الحديبية مِنْ أهل الصُّفَّة، وقيل: جَرْهَدُ بنُ خُويلدٍ، ومُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ جحشٍ قُتِل أبوه بأُحُدٍ وأوصى به إلى رسول الله.
          الثَّالث: حكى الخطيبُ في «مبهماته» في الرَّجل الَّذي قال له النَّبيُّ صلعم: ((غَطِّ فَخِذَكَ، فَإِنَّ الفَخِذَ عَوْرَةٌ)) ثلاثة أقوالٍ: أحدها: جَرْهَدٌ هذا، ثانيها: قَبِيْصَةُ بنُ مُخَارِقٍ الهلاليُّ، ثالثها: مَعْمَرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ نَضْلَةَ العدويٌّ.
          الرَّابع: قوله: (وَقَالَ أَبُو مُوسَى: غَطَّى النَّبِيُّ صلعم رُكْبَتَيْهِ حِينَ دَخَلَ عُثْمَانُ) هذا أسنده في مناقب عُثْمَانَ [خ¦3695]، فقال: حَّدثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، حدَّثنا حَمَّادٌ _يعني: ابنَ زَيْدٍ_ عن أيُّوبَ عن أبي عُثْمَانَ، عن أبي مُوسَى قال: ((دَخَلَ النَّبيُّ صلعم حَائِطًا، وأَمَرَنِي بِحِفْظِ بَابِهِ، فذكرَ مجيءَ أبي بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ))، الحديثَ.
          ثمَّ قال: قال حَمَّادٌ: حدَّثنا عَاصِمٌ، وساق إسناده قال: وزاد فيه عاصمٌ: ((أَنَّهُ ◙ كَانَ قاعدًا في مَكَانٍ فيهِ مَاءٌ قَدِ انكَشَفَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ _أَو رُكْبَتِهِ_ فَلَمِّا دَخَلَ عُثْمَانُ غَطَّاهُمَا)).
          فحُمَّادٌ الأوَّل هو ابنُ زيدٍ كما تراه مُصَرَّحًا به، والثَّاني: جاء في بعض نسخه أنَّه ابنُ سَلَمَةَ، وكذا ذكره خَلَفٌ في «أطرافه»، وأمَّا الطَّبَرَانيُّ فساقه مِنْ حديث حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، ولفظه: ((كَانَ مَكْشُوفَ السَّاقَينِ)).
          وعند مسلمٍ مِنْ حديث عائشةَ: ((كَانَ ◙ مُضطَجِعًا في بَيتِي كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ _أَو سَاقَيهِ_))، فذكرت الحديث، ((فَلَمَّا استَأْذَنَ عُثْمَانُ، جَلَسَ وَسَوَّى ثِيَابَهُ))، وعند أحمدَ: ((كَاشِفًا عَنْ فَخِذِهِ)) مِنْ غير تَرَدُّدٍ.
          قال الشَّافعيُّ فيما نقله عنه في«المعرفة»: والَّذي رُوِيَ في قصَّة عُثْمَانَ وكشف عن فخذه أو ساقيه حتَّى دخل، مشكوكٌ فيه، قُلْتُ: ووَهَّمَ الدَّاوُدِيُّ رواية البخاريِّ، وقال: إنَّها ليست مِنْ هذا الحديث، وقد أدخل بعض الرُّواة حديثًا في حديثٍ، إنَّما أتى أبو بَكْرٍ رَسُولَ اللهِ صلعم وهو في بيتِه منكشفٌ فَخِذُهُ، فلمَّا استأذنَ عُثْمَانُ غَطَّى فَخِذَهُ، فقيل له في ذلك، فقال: ((إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِيٌّ، فَإِنْ وَجَدَنِي عَلَى تِلْكَ الحَالَةِ لَمْ يَبْلُغْ حَاجَتَهُ))، وقد أخرجه مسلمٌ مِنْ حديث عائشةَ وفيه: فقال: ((أَلَا أَسْتَحِي مِمَّنْ تَسْتَحِي مِنْهُ المَلَائِكَةُ))، وفي «مسند أحمد» مِنْ حديثها أيضًا: ((أَلَا أَسْتَحِي مِنْهُ، وَاللهِ إِنَّ المَلَائِكَةَ لَتَسْتَحْيِي مِنْهُ))، قُلْتُ: فلمَّا كان الغالب عليه الحياء، جُوزِي عليه مِنْ جنس فعله.
          الخامس: قوله: (وَقَالَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ...) إلى آخره، هذا قطعةٌ مِنْ حديثٍ طويلٍ خرَّجه البخاريُّ في تفسيره سورة النِّساء [خ¦4592]، وفي الجهاد [خ¦2832]، وسيأتي إن شاء الله.