التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة

          ░106▒ باب إِذَا حَمَلَ جَارِيَةً صَغِيرَةً على عُنُقِهِ فِي الصَّلاَةِ.
          516- ذكر فيه حديث أبي قتادة: (أَنَّه صلعم كَانَ يُصَلِّي وَهْوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ ابنة رَسُولِ اللهِ صلعم وَلأَبِي العَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا). الكلام عليه مِن أوجهٍ:
          أحدها: هذا الحديث أخرجه مسلمٌ أيضًا. ثانيها: (أبو قَتادةَ) هو الحارث بن رِبْعِيٍّ كما سلف. وأُمامة هذِه تزوَّجها عليٌّ بعد وفاة فاطمةَ بوصايتها. وزينبُ أكبر بناته صلعم ورضي عنهنَّ.
          وأبو العاصي اسمه مهشِّمٌ على أحد الأقوال السِّتَّة، أمُّه هالةُ بنت خُوَيلد بن أسدٍ أخت خديجة.
          وقوله: (رَبِيْعَةُ) كذا رواه البخاريُّ وأكثر رواة «الموطأ» عن مالكٍ. وقيل: إنَّه نسبه إلى الجدِّ، والمعروف أنَّه ابن الرَّبيع، ونسب أُمامةَ إلى أمِّها دونه لأجل الشَّرف، ثمَّ بيَّن بعبارةٍ لطيفةٍ أنَّها لأبي العاصي ابن الرَّبيع تحرِّيًا للأدب في نسبتها.
          ثالثها: في فوائده، وهي عشرة:
          الأولى: صحَّة صلاة مَن حمل آدميًّا أو حيوانًا طاهرًا مِن طيرٍ أو شاةٍ، أو غيرهما وإن كان غير مستجمرٍ؛ لأنَّه الغالب على الصِّغار. وصحَّح أصحابنا البطلان فيما إذا حمل مستجمرًا لعدم الحاجة إليه.
          الثانية: طهارة ثياب الصِّبيان وأجسادهم إلى أن تتحقق النَّجاسة. وشذَّ الحسن، فكره الصَّلاة في ثيابهم.
          الثالثة: عدم بطلان الصَّلاة بالعمل القليل وكذا الكثير المتفرِّق.
          الرابعة: التَّواضع مع الصِّبيان وملاطفتهم ورحمتهم، وكأنَّ السِّرَّ فيه دفع ما كانت العرب تأنفه مِن حمل البنات كِبرًا.
          الخامسة: جواز حمل الصَّبيِّ والصَّبية في الصلاة، وسواءٌ الفرض في ذلك والنفل، والإمام والمأموم والمنفرد. وحمله أصحاب مالكٍ على أنَّ ذلك كان في النَّافلة. ويردُّه رواية أبي داود أنَّ ذلك كان في الظُّهر أو العصر، ورواية الطَّبرانيِّ أنَّ ذلك كان في الصُّبح. وادَّعى بعضهم نسخَه بتحريم العمل في الصَّلاة، وبعضهم خصوصيَّة ذلك بالشَّارع، وبعضهم: أنَّ ذلك كان لضرورة، أو أنَّ ذلك منها لا منه، ولا دلالة على ذلك.
          السادسة: ترجيح الأصل، وهو الطَّهارة على الغالب.
          السابعة: إدخال الصِّبيان المساجد. فإن عُورض بالنَّهي عنه فالجواب ضعفُه.
          الثامنة: العفو عن شغل القلب في الصَّلاة بمثل هذا.
          التاسعة: إكرام أولاد المحارم بالحمل جَبْرًا لهم ولأصولهم.
          العاشرة: عدم النقض بالمحارم. لكنَّ مَن في السِّنِّ المذكور لا اعتبار بلمْسه، ويجوز أن يكون مِن وراء حائلٍ.
          قال ابن عبد البرِّ: وحملُه أُمامةَ محمولٌ عند أهل العلم أنَّ ثيابها كانت طاهرةً، وأنَّه أمِن منها ممَّا يحدث للصِّبيان مِن البول وغيره. وجائزٌ أن يعلم ما لا يعلمه غيرُه.
          قال ابن بطَّالٍ: أدخل البخاريُّ هذا الحديث هنا ليدلَّ أنَّ حمل المصلِّي الجاريةَ على العنق لا يضرُّ صلاتَه؛ لأنَّ حملها أشدُّ مِن مرورها بين يديه، فلمَّا لم يضرَّ حملها كذلك لا يضرُّ مرورها.