التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان

          ░72▒ بَابُ كَنْسِ المَسْجِدِ وَالتِقَاطِ الخِرَقِ وَالقَذَى وَالعِيدَانِ
          458- سَاقَ فيهِ حديثَ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوِ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ المَسْجِدَ فَمَاتَ، فَسَأَلَ النَّبِيُّ صلعم عَنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ: أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ _أَوْ قَالَ: قَبْرِهَا_ فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ).
          الكلامُ عليه مِنْ أوجهٍ:
          أحدها: هذا الحديث أخرجَه البخاريُّ في مواضعَ، أخرجَه قريبًا في باب الخدم في المسجد [خ¦460]، وفيه: أنَّ امرأةً أو رجلًا كما وقع هنا، ثمَّ قال: ولا أراه إلَّا امرأةً، ويأتي في الجنائز أيضًا [خ¦1337]، وجاء في بعض الرِّوايات: أنَّها امرأةٌ سوداءُ بغير شكٍّ.
          وأخرجه مسلمٌ بلفظ: أنَّ امرأةً أو شابًا، وفيه: فكأنَّهم صغَّروا أمرها أو أمره، فقال: ((دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ))، ثمَّ قال: ((إِنَّ هَذِهِ القُبُورَ مَمْلُوْءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ)).
          قال البَيْهَقِيُّ: الَّذي يغلب على القلب أنَّ هذه الزِّيادة في غير رواية أبي رافعٍ عن أبي هريرةَ، فإمَّا أن تكون عن ثابتٍ عَنِ النَّبيِّ صلعم مرسلًا كما رواه أحمدُ بنُ عَبْدَةَ ومَنْ تابعه، أو عن ثابتٍ عن أَنَسٍ عن النَّبيِّ صلعم كما رواه خالدُ بنُ خِدَاشٍ عن حَمَّادِ بنِ زيدٍ عن ثابتٍ عن أبي رافعٍ فلم يذكرها، قال: وروى حَمَّادُ بنُ واقِدٍ عن ثابتٍ عن أبي رافعٍ عن أبي هريرةَ أنَّ النَّبيَّ صلعم صلَّى على قبرٍ بعد ثلاثة أيامٍ، وحَمَّادٌ ضعيفٌ، قال: وهذا التَّأقيت لا يصحُّ / البتَّة.
          وفي: «صحيح ابنِ حِبَّانَ» مِنْ حديث خارجةَ بنِ زيدٍ بنِ ثابتٍ عن عمِّه يزيدَ بنِ ثابتٍ قال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم، فَلَمَّا وَرَدَ البَقِيْعَ إِذَا بِقَبْرٍ جَدِيْدٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقِيْلَ: فُلَانَةٌ، فَعَرَفَهَا وَقَالَ: ((أَلَا آَذَنْتُمُونِي بِهَا؟ قَالُوا: كُنْتَ قَائِلًا صَائِمًا فَكَرِهْنَا أَنْ نُؤْذِيَكَ، قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا، أَلَا أَعْرِفَنَّ مَا مَاتَ فِيْكُمْ مَيِّتٌ مَا كُنْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ إِلَّا آَذَنْتُمُونِي بِهِ، فَإِنَّ صَلَاتِي عَلَيْهِ رَحْمَةٌ لَهُ، ثمَّ أَتَى القَبْرَ فَصَفَّنَا خَلْفَهُ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا)).
          وفي سماع خَارِجَةَ مِنْ يزيدَ وقفةٌ؛ لأنَّ يزيدَ قُتِل باليَمَامَةِ سنة ثنتي عشرة، وخَارِجَةُ مات سنة مائة أو أقلَّ عن سبعين سنةً، وفي الدَّارَقُطْنِيِّ عن أَنَسٍ أنَّ رجلًا كان ينظِّف المسجدَ فماتَ، فدُفِن ليلًا فأُتِي النَّبيُّ صلعم فأُخْبِرَ فقالَ: ((اطْلُبُوا لِي قَبْرَهُ)) فذكره بالتَّنوير، كما سلف.
          الثَّاني: الحديث دالٌّ على الكنس _كما ترجم له_ والتقاط ما ذكر في معناه ولازمه.
          و(يَقُمُّ المَسْجِدَ) يكنسه، والقُمَامَةُ _بضمِّ القاف_ الكُناسةُ.
          الثَّالث: فيه ما كان عليه مِنْ تفقُّد أحوال ضعفاء المسلمين وما جُبِلَ عليه مِنَ التَّواضع والرَّأفة والرَّحمة، والتَّنبيه على أنَّه لا ينبغي احتقار مسلمٍ ولا تصغير أمره.
          الرَّابع: فيه جواز الصَّلاة على القبر، وهي مسألةٌ خلافيَّةٌ، جوَّزه طائفةٌ منهم: عليٌّ وأبو مُوسَى وابنُ عُمَرَ وعائشةُ وابنُ مَسْعُودٍ والشَّافعيُّ والأوزاعيُّ وأحمدُ وإِسْحَاقُ، ومنعَه آخرون منهم: أبو حنيفةَ والنَّخَعِيُّ والحَسَنُ ومالكٌ والثَّوْرِيُّ واللَّيْثُ.
          وتوسَّط بعضهم فقيَّد الجواز بما إذا لم يصلِّ الولي أو الوالي، وتمسَّكوا بظاهر الحديث فإنَّه ◙ لم يصلِّ عليه وخصُّوا ذلك بالشَّارع؛ لأجل تنويره وغيره ليس كهو.
          ثمَّ اختلف مَنْ قال بالجواز إلى كم يجوز؟ فقيل: إلى شهرٍ، وقيل: ما لم يَبْلَ جسده، وقيل: أبدًا، والمسألة مبسوطةٌ في الفروع، وسيكون لنا إليها عودةٌ في الجنائز إن شاء الله وقدر [خ¦1337].
          الخامس: فيه الحضُّ على كنس المسجد وتنظيفه، فإنَّه ذُكِر في معرض الصَّلاة عليه بعد الدَّفن، وقد روي عن النَّبيِّ صلعم أنَّه كنس المسجد، ذكر ابنُ أبي شَيْبَةَ عن وكيعٍ عن مُوسَى بنِ عُبَيْدَةَ عن يَعْقُوبَ بنِ زيدٍ أنَّه ◙ كان يتَّبع غبار المسجد بجريدةٍ، وعن وكيعٍ: حدَّثنا كثيرُ بنُ زيدٍ عن المُطَّلِبِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ حَنْطَبٍ أنَّ عُمَرَ أتى مسجد قُبَاءَ على فرسٍ له، فصلَّى فيه، ثمَّ قالَ: يا يَرْفَأُ، ائتني بجريدةٍ، فأتاه بها فاحتجز عُمَرَ بثوبه ثمَّ كنسَه.
          السَّادس: فيه خدمةُ الصَّالحين والتَّبرُّكُ بذلك، والسُّؤالُ عَنِ الخادمِ والصَّديقِ إذا غابَ وافتقاده، والرَّغبةُ في شهادةِ جنائز الصَّالحين وجواز الصَّلاة في المقبرة.