التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانَها مساجد

          ░48▒ بَابٌ: هَلْ تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكِي الجَاهِلِيَّةِ، وَيُتَّخَذُ مَكَانُهَا مَسَاجِدَ؟
          لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلعم: (لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ)، وَمَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي القُبُورِ.
          أمَّا ما ترجمه أوَّلًا مِنْ نبش قبورهم واتِّخاذ مكانِها مسجدًا، فحديث أَنَسٍ مطابقٌ له الَّذي ذكره بعدُ حيث أمر بقبور المشركين فنُبشت وجعل مكانها المسجد.
          وأمَّا ما ترجمه ثانيًا مِنْ قوله: (وَمَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي القُبُورِ) فحديث عائشةَ عن أُمِّ سَلَمَةَ وأُمِّ حَبِيْبَةَ مطابقٌ له.
          وحديث: (لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ) سيأتي مسندًا في الجنائز [خ¦1330] وآخر المغازي مِن حديث عائشةَ [خ¦4441]، وأنَّ ذلك كان في مرضه الَّذي لم يَقُمْ منه، ويأتي قريبًا في بابٍ بعد الصَّلاة في البيعة مِنْ حديثها وابنِ عَبَّاسٍ [خ¦435] [خ¦436]، وذلك آخر ما تكلَّم به: ((قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ...)) إلى آخره.
          وذكره قريبًا مِنْ حديثِ أبي هريرةَ: ((قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ...)) إلى آخره [خ¦437]، وأخرجه مِنْ حديث زيدِ بنِ ثابتٍ مرفوعًا: ((لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ...)) إلى آخره، وهي توافق رواية البخاريِّ إذْ فيها ذكر اليهود خاصَّةً، وذكر شيخنا قطبُ الدِّيْنِ في: «شرحه» أنَّ بعض الفضلاء في الدَّرس قال: إنَّ وجه المناسبة بين قوله: هل تُنْبَشُ قبور المشركين ويُتَّخَذُ مكانها مسجدًا، وبين قوله: (لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ)، أنَّ البخاريَّ أراد بقوله: (هَلْ تُنْبَشُ؟) الاستفهام ثمَّ ذكر حديث أَنَسٍ بعده، فكأنَّه قال: وهل يتَّخذُ مكانها مسجدًا؟ لقوله: (لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ)، فيكون للتَّعليل لقوله: (وَيُتَّخَذُ مَكَانُهَا مَسْجِدًا).
          ثمَّ قال البخاريُّ: ((وَرَأَى عُمَرُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ يُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: القَبْرَ القَبْرَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإِعَادَةِ))، وهذا الأثر رواه وَكِيْعُ بنُ الجَرَّاحِ في «مصنَّفه» _فيما حكاه ابنُ حزمٍ_ عن سُفْيَانَ بنِ سَعِيْدٍ عن حُمَيْدٍ عن أَنَسٍ قال: رآني عُمَرُ أصلِّي إلى قبرٍ فنهاني، وقال: القبرَ أمامك، قال: وعن مَعْمَرٍ عن ثابتٍ عن أَنَسٍ قال: رآني عُمَرُ أصلِّي عند قبرٍ فقال لي: القبر لا تصلِّ إليه، قال ثابتٌ: فكان أَنَسٌ يأخذ بيدي إذا أراد أن يصلِّي فيتنحَّى عن القبور.
          ورواه أبو نُعَيْمٍ في «كتاب الصَّلاة» عن حُرَيْثِ بنِ السَّائِبِ قال: سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُولُ: بَيْنَمَا أَنَسٌ يُصَلِّي إِلَى قَبْرٍ فَنَادَاهُ عُمَرُ، القَبْرَ القَبْرَ، فَظَنَّ أنَّه يعني القَمَرَ، فَلَمَّا رَأَى أنَّه يعني القَبْرَ، تَقَدَّمَ وصَلَّى وجَازَ القَبْرَ، وسيأتي الكلام على الصَّلاة في المقابر، حيث ذكره المصنِّف قريبًا [خ¦432]، ولَمَّا لم يأمر أنسًا بالإعادة دلَّ على الإجزاء، وإليه ذهب جَمْعٌ فقالوا: النَّهي محمولٌ على الكراهة بدليل قوله ◙: ((جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا)).
          وقيل: يُحْمَلُ النَّهي على مقابر / المشركين؛ لأنَّها حُفرةٌ مِنْ حُفَرِ النَّار، وقد صلَّى الشَّارع على قبر سَوْدَاءَ.