التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب المساجد التي على طرق المدينة

          ░89▒ بَابُ المَسَاجِدِ الَّتِي على طُرُقِ المدينَةِ.
          484- 485- 486- 487- 488- 489- 490- 491- 492- ساق مِن طريق فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عن مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: (رَأَيْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَتَحَرَّى أَمَاكِنَ مِنَ الطَّرِيقِ فَيُصَلِّي فِيهَا، وَيُحَدِّثُ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُصَلِّي فِيهَا، وَأَنَّهُ رَأى النَّبِيَّ صلعم يصلِّي فِي تِلْكَ الأَمْكِنَةِ).
          وحَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي تِلْكَ الأَمْكِنَةِ.
          وسَأَلْتُ سَالِمًا، فَلاَ أعْلَمُهُ إلَّا وَافَقَ نَافِعًا فِي الأَمكِنَةِ كُلِّهَا، إلَّا أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي مَسْجِدٍ بِشَرَفِ الرَّوْحَاءِ.
          ثمَّ ساق حديثًا طويلًا مِن حديث ابن عمرَ أنَّه صلَّى في عدَّة أماكن صلَّى فيها رسول الله صلعم، وإنَّما كان يصلِّي فيها تبرُّكًا بتلك الأمكنة، ورغبةً في الفضل والاتِّباع؛ فإنَّه كان شديد الاتِّباع، ولم يزل النَّاس يتبرَّكون بمواضع الصَّالحين وأهل الفضل، ألا ترى أنَّ عِتْبانَ بن مالكٍ سأل الشَّارع أن يُصلِّيَ في بيته ليتَّخذَه مصلًّى.
          وقد جاء عن والده _أعني عمرَ بن الخطَّاب_ خلافُ فعل ابنه عبد الله، فروى شُعبةُ / عن سُلَيمان التَّيميِّ، عن المَعْرُور بن سُوَيدٍ قال: كان عمرُ بن الخطَّاب في سفرٍ فصلَّى الغداة، ثمَّ أتى على مكانٍ، فجعل النَّاسُ يأتونه ويقولون صلَّى فيه النَّبِيُّ صلعم، فقال عمر: إنَّما هلَك أهلُ الكتاب أنَّهم اتَّبعوا آثار أنبيائهم فاتَّخذوها كنائس وبِيَعًا، فمَن عرضت له الصَّلاةُ فليُصلِّ وإلَّا فليمضِ.
          وإنَّما خشي عمرُ أن يلتزم النَّاس الصَّلاة في تلك المواضع حتَّى يُشكِلَ ذلك على مَن يأتي بعدهم ويرى ذلك واجبًا، وروى أشهبُ عن مالكٍ أنه سُئل عن الصَّلاة في المواضع الَّتي صلَّى فيها الشَّارع، فقال: ما يُعجبني ذلك إلَّا في مسجد قُباءٍ، أي: لأنَّه صلعم كان يأتيه راكبًا وماشيًا، ولم يكن يفعلُ ذلك في تلك الأمكنة.
          وفي الحديث ألفاظٌ كثيرةٌ من الغريب والأمكِنة:
          فـ (شَرَفُ الرَّوْحَاءِ): ما ارتفع مِن مكانها، و(الرَّوحاء) بالراء والحاء المهملتين ممدودٌ: قريةٌ جامعةٌ لمُزَينةَ، على ليلتين مِن المدينة بينهما أَحدٌ وأربعون ميلًا منها، وفي مسلمٍ في باب: الأذان على ستَّةٍ وثلاثين، وفي «المطالع»: أنَّ الرَّوحاءَ مِن عمل الفُرْع على نحوٍ مِن أربعين ميلًا مِن المدينة، وفي كتاب ابن أبي شَيْبةَ: على ثلاثين.
          وقوله: (اختلفا في مسجدٍ بشرَف الرَّوْحَاءِ) قال أبو عُبَيدٍ: وروى نافعٌ عن ابن عمر أنَّ هذا الموضع هو المسجد الصغير دون الموضع الذي بشرَف الروحاء، قال: وروى البخاريُّ أنَّ ابن عمرَ كان لا يصلِّي في المسجد الصَّغير المذكور، كان يتركه عن يساره ووراءَه ويصلِّي أمامه إلى العِرْق نفسه، يريد عِرْقَ الظُّبْيَة.
          قال: وروى أصحاب الزُّهريِّ عن الزُّهريِّ عن حَنظلةَ بن عليٍّ عن أبي هُرَيرةَ مرفوعًا: ((والَّذي نفسِي بيدِه ليُهِلَّنَّ ابنُ مريمَ بفجِّ الرَّوحاءِ حاجًّا أو مُعتمِرًا أو ليُثنِّيهما)).
          قال: وروى أصحاب الأعْرَجِ عن الأعرجِ عن أبي هُريرةَ مثله، قال: وروى غير واحدٍ أنَّه صلعم قال وقد وصل المسجد الَّذي ببطنِ الرَّوحاءِ عِرْقِ الظُّبْيَة: ((هذا وادٍ مِن أودية الجنَّة، وصلَّى في هذا الوادي قبلي سبعون نبيًَّا، وقد مرَّ به موسى بن عِمرانَ حاجًّا أو مُعتمرًا في سبعين ألفًا مِن بني إسرائيلَ على ناقةٍ له وَرْقاءَ عليها عباءتان قطويتان يُلبِّي)).
          و(السَّمُرَة) بفتح السِّين وضمِّ الميم: شجرة الطَّلح، والطَّلْح شجرٌ عِظامٌ مِن شجر العِضاهِ، والعِضاهُ: شجرُ أمِّ غَيلان، كان ينزل صلعم بهذا المكان إذا خرج مِن المدينة _كما قال_ في حجٍّ أو عُمرةٍ، وإذا رجع إلى المدينة.
          و(البَطْحَاء): المكان المتسع، وقيل: مسيلٌ واسعٌ فيه دِقاقُ الحصى وقال الدَّاوديُّ: كلُّ أرضٍ منحدرةٍ. و(شَفِيرِ الوَادِي): حرفُه، قاله في «الجامع»، وقال ابن سِيده: ناحيته مِن أعلاه. و(التَّعْرِيْسُ) نزول المسافر مطلقًا في أيِّ وقتٍ كان، وهو قول الخليل، وغيرُهُ كالأصمعيِّ يقصرهُ على آخر اللَّيل، وقال ابن الأثير: المُعرَّس: موضع التَّعريس، وبه سُمِّي معرَّس ذي الحُلَيفة، عرَّس به صلعم وصلَّى فيه الصُّبح ثمَّ رحل، وفي «المحكم» المُعرِّس: الَّذي يسير نهاره ويُعرِّسُ، أي: ينزل أوَّل اللَّيل. و(الأَكَمَة): التَّلُّ أو الرَّابية. و(الْخَلِيْجُ): بعض النَّهر كأنَّه مختلَجٌ منه، وقيل: وادٍ عميقٌ ينشقُّ مِن آخرَ أعظمَ منه. و(الكَثِيْبُ): قطعةٌ مِن الرَّمل مستطيلةٌ مُحدَودَبةٌ.
          وقوله: (فَدَحَا) أي: بسط، و(العِرقُ): سَبَخةٌ تُنبِتُ الطَّرفاء، قاله ابن فارسٍ. وقال الخليلُ فيما حكاه ابن قرقول: العِرْق: الجبل الدَّقيق مِن الرَّمل المستطيل مع الأرض، وقال الدَّاوديُّ: المكان المرتفع، وقال الأزهريُّ: هو الجبل الصَّغير.
          و(السَّرْحَةُ): شجرةٌ عظيمةٌ، وهي الضَّخمة، وهو نوعٌ مِن الشَّجر له ثمرٌ، وقيل: هي شجرةٌ طويلةٌ يُقال: إنَّها الدِّفْلى، وقال أبو عليٍّ: هو نبتٌ، وقيل: لها هَدَبٌ وليس لها ورقٌ، وهو يشبه الصُّوف.
          و(الرُّوَيْثَةُ) بضم الرَّاء وفتح الواو ثمَّ مثنَّاةٌ تحت ثمَّ مثلَّثةٌ على لفظ التَّصغير: قريةٌ جامعةٌ في رسم العَقِيق عند ذكر الطَّريق مِن المدينة إلى مكَّة، وبين الرُّوَيثة والمدينة سبعةَ عشر فرسخًا، قاله البَكريُّ، وفي غير البخاريِّ: ((فكان ابن عمرَ يُنِيخُ هناك، ويصبُّ في أصلِ تلك الشَّجرة إداوةَ ماءٍ، ولو لم يكن معه إلَّا تِلكَ الإداوةَ)).
          وقوله: (ووِجَاه الطَّريقِ) أي: مقابله.
          وقوله: (فِي مَكَانٍ بَطْحٍ) هو ساكن الطَّاء ويجوز كسرها، أي: واسعٍ.
          وقوله: (قَائِمَةٌ عَلَى سَاقٍ) أي: كالبُنيان ليست متَّسعةً مِن أسفل وضيِّقةً مِن فوق، قاله ابن التِّين.
          و(التَّلْعَةُ) بفتح المثنَّاة فوق: مَسيلُ الماء من علوٍّ إلى سُفلٍ، وقيل: هو مِن الأضداد يقع على ما انحدرَ مِن الأرض وأشرفَ منها، وقيل: الأرض المرتفعة الَّتي يتردَّد فيها السَّيل.
          و(العَرْجُ) باسكان الرَّاء: قريةٌ جامعةٌ على طريق مكَّة مِن المدينة، بينها وبين الرُّوَيثة أربعةَ عشر ميلًا، سُمِّي بذلك لتَعرِيجه، وهو عدَّةُ أماكن ذكرها ياقوت والحازميُّ.
          و(الهَضْبَة): فوق الكثيب في الارتفاع ودونَ الجبل، قاله في «المطالع»، وقال ابن فارسٍ: هي الأكَمَة الملساء القليلةُ النبات، وفي «الصحاح»: الجبلُ المنبسط على وجه الأرض، وعن صاحب «العين»: كلُّ جبلٍ خُلق مِن صخرةٍ واحدةٍ.
          و(الرَّضْمُ): الحجارة البِيض الكبار.
          و(السَّلِمَات) بفتح أوله وكسر ثانيه، واحدها سلِمةٌ، وهي: سمُرة ورقُها القَرَظ الَّذي يُدبغ به الأدَم، وفي كتاب ابن بطَّالٍ: السَّلَمة بفتح اللَّام: الشَّجرة، وبكسرها: الصَّخرة.
          و(هَرْشَى) بفتح الهاء، وإسكان الرَّاء ثمَّ شينٌ معجمةٌ: جبلٌ في بلاد تِهامةَ، وهو على ملتقًى بطريق الشَّام والمدينة، وهي مِن الجُحْفَة، يُرى منها البحر.
          و(كُرَاعِ هَرْشَى): طرفها. قيل: سُمِّيت هَرشَى لمهارشةٍ كانت بينهم، والتَّهريش: الإفساد بين النَّاس، حكاه في «المغيث».
          و(الغَلوَةُ) بفتح الغين المعجمة: قدرُ رمية، يُقال: غلا الرَّجلُ بسهمه غلوًا إذا رمى به أقصى الغاية.
          و(مَرُّ الظَّهْرَانِ) بفتح أوَّله وتشديد الرَّاء، مضاف إلى الظَّهْران، بينه وبين البيت ستَّةَ عشرَ ميلًا، سُمِّيت بذلك لمرارة مائها، وقيل غيرُ ذلك. ومرُّ الظَّهران آخرُ ذكره الهَجَريُّ في «أماليه» وأهمله ياقوت: قريبٌ مِن الفُرْع.
          و(ذُوْ طُوًى) بفتح الطَّاء مقصورٌ منوَّنٌ: وادٍ بمكَّة، قاله عِياضٌ، وذكره الجَوهريُّ بالضَّمِّ، وقيَّده الأَصِيليُّ بالكسر، والَّذي بالشَّام بالضَّمِّ والكسر مع القصر: وادٍ، وقيل: جبلٌ، وطَوَاء بالمدِّ: وادٍ بين مكَّة والطَّائف.
          و(فُرْضَةُ الجَبَلِ): مدخل الطَّريق إليه، قال ابن سِيدَه، وفُرضَة النَّهر: مَشرب الماء منه. وروى أبو داود في «مراسيله» مِن حديث ابن لَهِيعةَ / عن بُكَير بن عبد الله بن الأشجِّ قال: كان بالمدينة تسعةُ مساجدَ مع مسجده صلعم يسمع أهلُها تأذينَ بلالٍ فيُصلُّون في مساجدهم، فعدَّدَها، وذكر أبو زيدٍ عمر بن شَبَّة النَّحويُّ في كتابه «أخبار المدينة» عِدَّة مساجدَ فيها أيضًا، وكذا الأزرقيُّ في كتابه، فلا يُشتغَلُ به خشية الطُّول.