التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب إذا كانَ الثوب ضيقًا

          ░6▒ بَابٌ: إِذَا كَانَ الثَّوْبُ ضَيِّقًا
          361- ذَكَرَ فيهِ حديثَ جابرٍ وفيهِ: (مَا السُّرَى يَا جَابِرُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِحَاجَتِي، فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: مَا هَذَا الِاشْتِمَالُ الَّذِي رَأَيْتُ، قُلْتُ: كَانَ ثَوْبٌ _يَعْنِي ضَاقَ_ قَالَ: فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ).
          وهو مِنْ أفراد البخاريِّ، مِنْ طريق سَعِيْدٍ بنِ الحارثِ عنه، ورواه مسلمٌ مِنْ حديث عُبَادَةَ عنه، في الحديث الطَّويل: ((يَا جَابِرُ: إِذَا كَانَ وَاسِعًا فَخَالِفُ بَيْنَ طَرَفِيْهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاشدُدْهُ عَلَى حَقْوَكَ)).
          و(السُّرَى): سير اللَّيل، فالمعنى: لأيِّ شيءٍ كان سُرَاك اللَّيلة، و(الِاشْتِمَالُ): الالتفاف بالثَّوب ولا يخرج يده منه، فلذا أنكره.
          وفيه: طلب الحوائج ليلًا مِنَ السُّلطان بخلاء موضعه وسِرِّه.
          362- ثمَّ ذَكَرَ فيهِ أيضًا حديثَ سَهْلٍ: (كَانَ رِجَالٌ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ صلعم عَاقِدِي أُزْرِهِمْ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، كَهَيْئَةِ الصِّبْيَانِ، وَيُقَالُ لِلنِّسَاءِ: لَا تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا).
          وهذا قد علَّق البخاريُّ بعضه فيما مضى قريبًا [خ¦352]، وأسنده هنا عن مُسَدَّدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ، وسيأتي أيضًا قريبًا [خ¦814]، وسبب هذا الحديث أنَّ ثياب أولئك الرِّجال قصيرةٌ وكساويهم قليلةٌ لمكان الفقر، فأمر النِّساء أن لا يرفعن رؤوسهنَّ حتَّى تستوي الرِّجال جلوسًا، لئلَّا يشاهدن عورة الرِّجال، ولا خلاف أنَّه لو كشفت الرِّيح مئزره أو ثوبه وظهرت عورته، ثمَّ رجع الثَّوب مِنْ حينه أنَّ صلاته لا تبطل، وكذلك المأموم إذا رأى مِنَ العورة ذلك.
          وقال ابنُ القَاسِمُ: إن فرَّط في ردِّ إزاره فصلاته وصلاة مَنْ تأمَّل عورته باطلةٌ، وعن سُحْنُونٍ: إن رفع الرِّيح ثوب الإمام، فانكشف عن دبره، فأخذه مكانه أجزأه، ويُعيد كلُّ مَنْ نظر إلى عورته ممَّن خلفه، ولا شيء على مَنْ لم ينظر.
          ورُوِيَ عنه أيضًا: أنَّ صلاته وصلاة مَنْ خلفه فاسدةٌ، وإن أخذه مكانه، وعند أحمدَ يُعْفَى عن القليل مِنَ العورة، وإن لم يحدَّه، واغتفر بعض الحنفيَّة دون الرُّبع.
          واختُلِفَ عندهم في الدُّبر والإليتين، فقيل: الكلُّ عورةٌ واحدةٌ، فيُعتَبَرُ ربعه، وقِيل: كلُّ إليةٍ عورةٌ، والدُّبر ثالثهما، وعند الشَّافعيِّ القليل والكثير سواءٌ، حتَّى الشَّعرة مِنْ رأس الحُرَّةِ وظفرها، وعند الحنفيَّة أنَّ انكشاف القليل لا يمنع، وكذا الكثير في زمنٍ قليلٍ، وهو أن لا يؤدِّي فيه ركنًا مِنْ أركان الصَّلاة، ولا يصحُّ شروعه مع الانكشاف.
          وعندهم قولٌ: إنَّ مَنْ نظر مِنْ زِيقه ورأى فرجه تبطل صلاته، وكذا إذا / كان قميصه محلول الجيب فانفتح حتَّى رأى عورة نفسه وإن لم ينظر، فعلى هذا: السَّتر شرطٌ مِنْ نفسه، وعامَّة أصحابهم جعلوه شرطًا عن غيره فقط؛ لأنَّها ليست عورةً في حقِّ نفسه.
          وحكى الأوَّل شيخنا قُطْبُ الدِّينِ في «شرحه» عن «شرح الهداية» عن الشَّافعيِّ وأحمدَ وتابعه مَنْ شرحه، ولا أعرفه عَنِ الشَّافعيِّ، بل مذهبه الصِّحَّة.