التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب إدخال البعير في المسجد للعلة

          ░78▒ بَابُ إِدْخَالِ البَعِيرِ فِي المَسْجِدِ لِلْعِلَّةِ
          وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: طَافَ النَّبِيُّ صلعم عَلَى بَعِيرِهِ.
          464- ثمَّ سَاقَ حديثَ أمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: (شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم أَنِّي أَشْتَكِي فَقَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ...) الحديثَ.
          الكلام على ذلك مِنْ أوجهٍ:
          أحدها: التَّعليق الأوَّل يأتي _إن شاء الله تعالى_ في الحجِّ مِنْ حديث عِكْرِمَةَ عنه [خ¦1632]، وحديث أمِّ سَلَمَةَ أخرجه مع مسلمٍ في الحجِّ [خ¦1616]، وفي تفسير سورة الطُّور، وفي لفظٍ له: ((إِذَا أُقِيْمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَطُوفِي عَلَى بَعِيْرِكِ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ)) [خ¦4853].
          ثانيها: معنى (شَكَوْتُ) أي: أشتكي تعني أنَّها مريضةٌ، وإنَّما أمرها بالطَّواف وراء النَّاس؛ لأنَّه صلاةٌ، وسنَّة النِّساء التَّباعد عن الرِّجال في الصَّلاة.
          ثالثها: فيه جواز الطَّواف راكبًا للمعذور، ولا كراهة فيه، فإن كان غير معذورٍ ففيه خلافٌ ستعلمه في الحجِّ [خ¦1632]، وطوافه◙ على بعيرٍ يوضِّح جوازه، وبه أخذ ابنُ المُنْذِرِ وقومٌ والجمهور كما حكاه القُرْطُبِيُّ على كراهة ذلك ومنعه، وذهب مالكٌ وأبو حنيفةَ إلى أنَّه يُعيد ما دام قريبًا مِنْ مكَّة، فإن بَعُدَ إلى مثل الكوفة فعليه دمٌ، ولم يرَ الشَّافعيُّ فيه شيئًا، وبه قال أحمدُ كما حكاه ابنُ الجوزيِّ.
          وأجابوا عن طوافه راكبًا بأوجهٍ منها:
          أنَّه للاستفتاء كما أخرجه مسلمٌ.
          ثانيها: أنَّه كان شاكيًا، رواه أبو داودَ مِنْ حديث ابنِ عَبَّاسٍ، وهذا فهمه البخاريُّ هناك وترجمَ عليه باب: المريضُ يطوفُ راكبًا.
          ثالثها: قولُ عائشةَ لو كان ماشيًا لطرق بين يديه ولصرفوا عنه، وكان يكره ذلك.
          رابعها: فيه جواز دخول الدَّوابِّ المسجد كما ترجمَ له، ولا يلزمُ مِنْ دخلوها التَّلوُّث، وناقته ◙ كانت ناقةً منوقةً، والعادة أنَّ الدَّابَّة إذا كانت سائرةً لا تبول، وخصَّه مالكٌ بالدَّوابِّ المأكولة.
          وفيه أيضًا: أنَّ راكبَ الدَّابَّةِ ينبغي له أن يتجنَّبَ ممرَّ النَّاسِ ما استطاعَ، ولا يُخالطُ الرَّجَّالةَ، وكذلك ينبغي أن يخرج النِّساء إلى حواشي الطُّرق.
          قال أبو عُمَرَ: وصلاته ◙ إلى جنب البيت مِنْ أجل أنَّ المقام كان حينئذٍ ملصقًا بالبيت قبل أن ينقله عُمَرُ مِنْ ذلك المكان، والوجه أنَّ البيت كلَّه قبلةٌ، فحيث صلَّى المصلِّي منه إذا جعله أمامه كان حسنًا.