التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الحلق والجلوس في المسجد

          ░84▒ بَابُ الحِلَقِ وَالجُلُوسِ فِي المَسْجِدِ
          472- سَاقَ فيهِ حديثَ ابنِ عُمَرَ قَالَ: (سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صلعم وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ، مَا تَرَى فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، قَالَ: مَثْنَى مَثْنَى...) الحديث.
          473- وحديثَ ابنِ عُمَرَ أيضًا: (أَنَّ رَجُلًا، جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلعم وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: كَيْفَ صَلَاةُ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ: مَثْنَى مَثْنَى...) الحديثَ.
          ثُمَّ قَالَ: (وَقَالَ الوَلِيدُ بنُ كَثِيرٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ ابنَ عُمَرَ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ رَجُلًا نَادَى رَسُولَ اللهِ صلعم وَهُوَ فِي / المَسْجِدِ).
          474- ثمَّ سَاقَ حديثَ (أَبِي وَاقِدٍ) في (النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ).
          وهذا الحديث سلف في باب: مَنْ قَعَدَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ المجلسُ، مِنْ كتابِ العلمِ [خ¦66].
          وأمَّا الحديثُ الأوَّلُ والثَّاني فأخرجهما مسلمٌ أيضًا.
          وأمَّا الثَّالث المُعَلَّق فأسنده مسلمٌ عن أبي كُرَيْبٍ وهارونَ بنِ عبدِ اللهِ عن أبي أسامةَ عن الوليدِ به، وفي روايةٍ لأصحاب السُّنن الأربعة زيادة: ((والنَّهَارِ))، قال التِّرْمِذِيُّ: والصَّحيح: ((صَلَاةُ اللَّيلِ))، وقال النَّسَائِيُّ: إنَّه خطأٌ، وقال الشَّافعيُّ: إنَّه لا يُثبت أهل الحديث مثله، أعني ذكر النَّهار، وأمَّا البخاريُّ فصحَّحه، وطرَّقه الدَّارَقُطْنِيُّ فأبلغ.
          إذا تقرَّر ذلك، فالكلام عليه مِنْ أوجهٍ:
          أحدها: ليس فيما ذكره البخاريُّ دلالةٌ على التَّحَلُّقِ والجلوس في المسجد بحالٍ، كما نبَّه عليه الإِسْمَاعِيْلِيُّ، وقال المُهَلَّبُ: شبَّه البخاريُّ في حديث جلوس الرِّجال في المسجد حول الشَّارع وهو يخطب بالتَّحَلُّقِ والجلوس في المسجد للعلم، والظَّاهر أنَّ الشَّارع لا يكون في المسجد وهو على المنبر إلَّا وعنده جمعٌ جلوسٌ مُحَدِّقِين به كالمُتَحَلِّقِين.
          وأمَّا حديث أبي وَاقِدٍ: فليس في إيراده هنا دلالةٌ لِمَا ترجم له، نعم فيه في كتاب العلم: ((بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صلعم جَالِسٌ في المَسْجِدِ، والنَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ...)) الحديثَ [خ¦66]، فاكتفى بأصل الحديث كعادته في الاستدلال بالأشياء الخفيَّة، والإجماع قائمٌ على جواز التَّحَلُّقِ والجلوس في المسجد لذكر الله وللعلم.
          ثانيها: فيه أنَّ الخطيب إذا سُئِلَ عن أمرٍ في الدِّين لا بأس بالجواب، ولا تضرُّ خطبته.
          ثالثها: اختلف العلماء في النَّوافل، فقال مالكٌ والشَّافعيُّ وأحمدُ: السُّنَّة أن تكون مثنى مثنى ليلًا ونهارًا، ويؤيِّده صلاته ◙ النَّوافل ركعتين ركعتين، وقال أبو حنيفةَ: إن شاء ركعتين وإن شاء أربعًا، قال: وصلاة اللَّيل كذلك، وإن شاء ستًّا أو ثمانيًا مِنْ غير زيادةٍ، بتسليمةٍ واحدةٍ، ولا شكَّ أنَّ صلاته كانت باللَّيل مختلفةٌ، وصحَّ في الجمعة: ((مَنْ كَانَ مُصَلِّيًا بَعْدَ الجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا)).
          رابعها: قوله: (فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً، فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى) فيه: أنَّ الوتر واحدةٌ، وخالف مالكٌ فقال: أوَّله ثلاثٌ بتسليمتين، وأبو حنيفةَ فقال: بتسليمةٍ، وستكون لنا عودةٌ إليه إن شاء الله في موضعه [خ¦990].
          خامسها: قوله: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا) هذا أمرٌ كما فهمه ابنُ عُمَرَ حيث قال: إنَّه ◙ أمرَ به، وهذا في حقِّ مَنْ لا يغلبُه النَّومُ، فإن كان يغلبُه قَدَّمَهُ، وستكونُ لنا عودةٌ إلى ذلكَ إن شَاءَ اللهُ [خ¦990].
          سادسها: قوله: (مَثْنَى مَثْنَى) هو بغير تنوينٍ لا يجوز غيره للعدليَّة والوصفيَّة.
          فائدةٌ: (الحِلَقِ) بفتح الحاء واللَّام، وحُكِي كسر الحاء، جمع حلقةٍ، كتمرةٍ وتمرٍ، بإسكان اللَّام وحكى سيبويه فتحها، وهي منكرةٌ، والفُرجَةُ سلف بيانها في العلم [خ¦66].