التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب السجود على الثوب في شدة الحر

          ░23▒ بَابُ السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ
          وَقَالَ الحَسَنُ: (كَانَ القَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى العِمَامَةِ وَالقَلَنْسُوَةِ وَيَدَاهُ فِي كُمِّهِ).
          هذا الأثر رواه ابنُ أبي شَيْبَةَ عن أبي أُسَامَةَ عن هِشَامٍ عنه قال: إنَّ أصحاب رسول الله صلعم كانوا يسجدون وأيديهم في ثيابهم، ويسجد الرَّجل منهم على قلنسوته وعمامته.
          وحدَّثنا هُشَيْمٌ عن يُونُسَ عنه أنَّه كان يسجد في طيلسانه، وحدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبي عَدِيٍّ عن حُمَيْدٍ: رأيت الحَسَنَ يلبس أنبجانيًّا في الشِّتاء، ويصلِّي فيه ولا يخرج يديه منه، وكان عبدُ الرَّحمنِ بنُ زيدٍ يسجد على كَوْر عمامته، وكذلك الحَسَنُ وسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ وبَكْرُ بنُ عبدِ اللهِ ومَكْحُولٌ، وقول الحَسَنِ: كانوا يسجدون على العمامة أي على كَوْرها، وحديث أبي هريرةَ أنَّه ◙ سجد على كَوْرها ضعيفٌ.
          385- ثمَّ سَاقَ البخاريُّ حديثَ أَنَسٍ قَالَ: (كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلعم، فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجُودِ).
          وهو حديثٌ خرَّجه مسلمٌ أيضًا والأربعة، وقد اختلف العلماء في السُّجود على الثَّوب مِنْ شدَّة الحرِّ والبرد، فرخَّص في ذلك عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وعَطَاءٌ وطَاوُسٌ والنَّخَعِيُّ والشَّعْبِيُّ والحَسَنُ وهو قول مالكٍ والأوزاعيِّ والكوفيِّين وأحمدَ وإِسْحَاقَ، واحتجُّوا بهذا الحديث.
          وقال الشَّافعيُّ: لا يجوز، وحمل الحديث على بسط ثوبٍ غير الَّذي هو لابسه، قال: ولا يجزئه السُّجود على الجبهة ودونها ثوبٌ إلَّا أن يكون جريحًا، ورخَّص في وضع اليدين على الثَّوب مِنْ شدَّة الحرِّ والبرد.
          واختلفوا في السُّجود على كور العمامة، فرخَّص فيه ابنُ أبي أَوْفَى والحَسَنُ ومَكْحُولٌ وسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ والزُّهْرِيُّ وهو قول أبي حنيفةَ والأوزاعيُّ، وقال مالكٌ: أكرهه، ويجوز، وقال ابنُ حَبِيْبٍ: هذا ممَّا خفَّ مِنْ طاقاتها، وأمَّا ما كثر فهو كمَنْ لم يسجد، وكره عُمَرُ وابنه وعُبَادَةُ السُّجود عليها، وعن النَّخَعِيِّ وابنِ سِيرِينَ وعُبَيْدَةَ مثله، وحكاه في «المصنَّف» عن عليٍّ وأبي عُبَيْدَةَ ومَيْمُونَ بنِ مِهْرَانَ وعُرْوَةَ وعُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ وجَعْدِ بنِ هُبَيْرَةَ.
          وقال الشَّافعيُّ: لا يُجزئ السُّجود عليها، وقال أحمدُ: لا يُعجبني إلَّا في الحرِّ والبرد.
          وأجمعوا على أنَّه يجوز السُّجود على الرُّكبتَين والقدمان مستورةٌ بالثِّياب، وأجمعوا أيضًا كما نقله ابنُ بَطَّالٍ على جواز السُّجود على اليدين في الثِّياب، وإنَّما كره ذلك ابنُ عُمَرَ وسَالِمٌ وبعض التَّابعين، لكن في عدم الجواز عندنا قولٌ مشهورٌ، وسيأتي بعض هذا المعنى في باب: لا يَكُفُّ شعرًا ولا ثوبًا في الصَّلاة إن شاء الله [خ¦816]، وفي «سنن سَعِيْدِ بنِ مَنْصُورٍ» عن إبراهيمَ قال: كانوا يصلُّون في المساتق والبرانس والطَّيالسة، ولا يخرجون أيديهم.
          فائدةٌ: (وَالقَلَنْسُوَةِ) _بفتح القاف_ غشاءٌ مُبَطَّنٌ يُلبس على الرَّأس.