التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الصلاة في مساجد السوق

          ░87▒ بَابُ الصَّلاَةِ في مَسَاجِد السُّوقِ.
          وَصَلَّى ابن عَوْنٍ فِي مَسْجِدٍ فِي دَارٍ يُغْلَقُ عَلَيْهِمُ البَابُ.
          477- كذا في نسخة سماعنا: (ابْن عَوْنٍ)، ووقع في كلام ابن المنيِّر: (ابْن عُمَرَ)، ولعلَّه تصحيف.
          ووجه مطابقة التَّرجمة لحديث ابن عُمرَ الَّذي ساقه بعد؛ فإنَّه لم يصلِّ في سوقٍ: أنَّ البخاريَّ أراد إثبات جواز بناء المسجد داخل السُّوق، لئلا يُتخيَّل أنَّ المسجد في المكان المحجور لا يُشرع كما أنَّ مسجد الجمعة لا يجوز أن يكون محجورًا، فنبَّه بصلاة ابن عمرَ على أنَّ المسجد الَّذي صلَّى فيه كان محجورًا، ومع ذلك فله حكم المساجد.
          ثمَّ خصَّ السُّوق في التَّرجمة لئلَّا يُتخيَّل أنَّها لمَّا كانت شرَّ البقاع وبها يركز الشَّيطان رايَتَه _كما ورد في الحديث_ يمنع ذلك مِن اتِّخاذ المساجد فيها وينافي العبادة كما نافتها الطُّرُقات ومواضع العذاب والحمَّام وشبهها. فبيَّن بهذا الحديث أنَّها محلٌّ للصَّلاة كالبيوت، فإذا كانت محلًّا لها جاز أن يُبنى فيها المسجد.
          وكذا قال ابن بطَّالٍ في «شرحه» فيه: إنَّ الأسواق مواضع للصَّلاة وإن كان قد جاء فيها مرفوعًا: ((إنَّها شَرُّ البِقاع)) حكايةً عن جبريلَ و((خيرُها المساجدُ)) أخرجه الآجُرِّيُّ.
          فخشي البخاريُّ أن يتوهَّم مَن رأى ذلك الحديث أنَّه لا تجوز الصَّلاة في الأسواق، استدلالًا به إذ كانت الأسواق شرَّ البقاع والمساجدُ خيرها، فلا يجوز أن تُعمل الصَّلاة في شرِّها، فجاء في الحديث إجازة الصَّلاة في السُّوق، وأنَّ الصَّلاة فيه للمنفرد درجةٌ مِن خمسٍ وعشرين درجةً كصلاة المنفرد في بيته، قال: واستدلَّ البخاريُّ أنَّه إذا جازت الصَّلاة في السُّوق فُرادى كان أولى أن يُتَّخذَ فيه مسجدٌ للجماعات لفضل الجماعة كما تُتَّخذُ المساجد في البيوت عند الأعذار لفضل الجماعة.
          ثمَّ ساق البخاريُّ حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم قال: ((صَلاَةُ الجَمِيعِ تَزِيدُ / على صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ خمسًا وعشرين درجةُ...)) الحديثَ، وسبق بعضُه في باب: الحدَث في المسجد [خ¦445]، وسيأتي في فضل صلاة الجماعة [خ¦645]، وسنتكلَّم عليه هناك إن شاء الله، وفي البيوع في باب: ما ذُكر في الأسواق [خ¦2119]، وأخرجه مسلمٌ هنا أيضًا.
          وقوله: (لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً): هو بفتح الخاء وضمِّها، قال القرطبيُّ: الرِّواية بالضَّمِّ، وهي واحدة الخُطا، وهي ما بين القدمَين. وقال ابن التِّين: رُوِّيناه بفتحها، وهي المرَّة الواحدة.
          وقوله: (لاَ يُرِيدُ إِلَّا الصَّلاَةَ) أي: لا يقصد غير ذلك، وفي روايةٍ: ((لا ينهزُه))، أي: لا يدفعه. وينهزُه بضمِّ أوَّله وبفتحه.