التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من بنى مسجدًا

          ░65▒ بَابُ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا
          450- ذَكَرَ فيهِ عَنْ عُثَمْانَ أنَّهُ قَالَ: عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ الرَّسُولِ: إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا _قَالَ بُكَيْرٌ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ_ بَنَى اللهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الجَنَّةِ).
          هذا الحديث أخرجه مسلمٌ أيضًا في آخر كتابه وهي سُنَّةٌ مشهورةٌ رواها جماعاتٌ غير عُثْمَانَ ☺ منهم عُمَرُ، أخرجه ابنُ حِبَّانَ في «صحيحه» بلفظ: ((مَنْ بَنَى للهِ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فيهِ اسمُ اللهِ بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ))، ولأبي نُعَيْمٍ: ((لَا يُرِيْدُ بِهِ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً)).
          ومنهم عليٌّ أخرجه ابنُ مَاجَهْ بإسنادٍ ضعيفٍ بلفظ: ((مَنْ بَنَى مَسْجِدًا مِنْ مَالِهِ)).
          ومنهم جابرٌ أخرجه ابنُ خُزَيْمَةَ بلفظ: ((مَنْ حَفَرَ مَاءً لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ كَبِدٌ حَيٌّ مِنْ جِنٍّ وَلَا إِنْسٍ وَلَا طَائِرٍ إلَّا آجَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ، بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ)).
          ومنهم أبو ذرٍّ أخرجه أبو نُعَيْمٍ بلفظ: ((مَنْ بَنَى للهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ)) وقال أبو حاتمٍ الرَّازِيُّ: نفس الحديث موقوفٌ، وهو أصحُّ.
          ومنهم أبو بَكْرٍ: ((مَنْ بَنَى مَسْجِدًا للهِ وَلَوْ مِثْلَ مَفْحَصِ قَطَاةٍ)) قال أبو حاتمٍ الرَّازِيُّ: منكرٌ.
          ومنهم أَنَسٌ أخرجه أبو عِيسَى بلفظ: ((مَنْ بَنَى للهِ مَسْجِدًا صَغِيْرًا كَانَ أَوْ كَبِيْرًا)) وأخرجه أبو نُعَيْمٍ بلفظ: ((مَنْ بَنَى للهِ مَسْجِدًا فِي الدُّنْيَا يُرِيْدُ بِهِ وَجْهَ اللهِ)) قالوا: إذًا نُكْثِرُ يا رسولَ اللهِ، قالَ: ((اللهُ أَكْثَرُ))، وفي لفظٍ: ((كُلُّ بِنَاءٍ وِبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَّا مَسْجِدًا، فَإِنَّ لَهُ بِهِ قَصْرًا فِي الجَنَّةِ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ)).
          ومنهم: أبو هريرةَ أخرجه البَيْهَقِيُّ في «شعب الإيمان» بلفظ: ((مَنْ بَنَى بَيْتًا يُعْبَدُ اللهُ فيهِ حَلَالًا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ مِنَ الدُّرِّ وَاليَاقُوتِ))، قال أبو زُرْعَةَ: هو وهمٌ، وقال ابنُ أبي حاتمٍ: الصَّحيح أنَّه موقوفٌ.
          ورُوِيَ أيضًا مِنْ حديث مُعَاذٍ ووَاثِلَةَ وعَمْرِو بنِ عَبَسَةَ وأبي أُمَامَةَ وعائشةَ وأبي قِرْصَافَةَ وابنِ عُمَرَ وابنِ عَمْرٍو وأبي سَعِيْدٍ وأُمِّ حَبِيْبَةَ وغيرهم.
          والمساجد بيوت الله وقد أضافها إلى نفسه بقوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ} [التَّوبة:18]، وحسبك بهذا شرفًا لها، وقال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} الآية [النُّور:36]، فهي أفضل بيوت الدُّنيا وخير بقاع الأرض، وقد تفضَّل الله تعالى على بانيها بأن بنى له قصرًا في الجنَّة، وأجر المسجد جارٍ لِمَنْ بناه في حياته وبعد مماته ما دام يُذْكَرُ اللهُ فيه، ويُصَلَّى فيه، وهذا ممَّا جاءت المجازاة فيه مِنْ جنس الفعل.
          وقوله: (حِينَ بَنَى مَسْجِدَ الرَّسُولِ) يعني: حين بناه بالحجارة وزاد فيه كما تقدَّم.
          وقوله: (يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ) أي مخلصًا في بنائه له، ومَنْ كتب اسمه عليه فهو بعيدٌ مِنَ الإخلاص كما نبَّه عليه ابنُ الجَوْزِيِّ؛ لأنَّ المخلص يكتفي برؤية المعمول معه، وقد كان حَسَّانُ بنُ أبي حَسَّانَ يشتري أهل البيت فيعتقهم ولا يخبرهم مَنْ هو.
          وقوله: (بَنَى اللهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الجَنَّةِ) يحتمل أن يكون مثله في المسمَّى، وأمَّا السِّعة فمعلومٌ فضلها أو فضله على بيوت الجنَّة كفضل المسجد على بيوت الدُّنيا؛ بسبب إضافته إلى الرَّبِّ تعالى، وقد بشَّر الشَّارع خديجةَ ♦ ببيتٍ في الجنَّة مِنْ قصبٍ لا صخب فيه ولا نصب، والأجر يُضاعف بحسب ما يقترن بالفعل مِنَ الإخلاص، ولمَّا فهم عُثْمَانُ هذا المعنى سابق في بناء المسجد وحسَّنه وأخلص لله فيه وتابعوه.