التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب هل يقال: مسجد بنى فلان؟

          ░41▒ بَابٌ: هَلْ يُقَالُ مَسْجِدُ بَنِي فُلاَنٍ؟
          420- ذكرَ فيهِ حديثَ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم سَابَقَ بَيْنَ الخَيْلِ الَّتِي أُضْمِرَتْ مِنَ الحَفْيَاءِ، / وَأَمَدُهَا ثَنِيَّةُ الوَدَاعِ، وَسَابَقَ بَيْنَ الخَيْلِ الَّتي لَمْ تُضْمَرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ كَانَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا).
          الكلام عليه مِنْ أوجهٍ:
          أحدها: هذا الحديث أخرجه البخاريُّ هنا وفي الجهاد [خ¦2868] والاعتصام [خ¦7336]، وأخرجه مسلمٌ في المغازي، وباقي السِّتَّة.
          ثانيها: مطابقة هذا الحديث لِمَا ترجم له، قوله: (مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ) وهي إضافة تمييزٍ لا ملكٍ، ففيه جواز إضافتها إلى بانيها والمصلِّي فيها، وإضافة أعمال البِرِّ إلى أربابها ونسبتها إليهم، وليس في ذلك تزكيَّة لهم، وعن النَّخَعِيِّ أنَّه كان يكره أن يُقَالَ: مسجد بني فُلانٍ، ولا يرى بأسًا أن يُقَالَ: مُصَلَّى بني فُلانٍ، وهذا الحديث رادٌّ عليه، ولا فرق بين قوله مُصَلَّى ومسجدٍ، كما نبَّه عليه ابنُ بَطَّالٍ لكنَّ المساجد لله فلا تُضاف إلى غيره إلَّا على جهة التَّعريف.
          ثالثها: التَّضمير: عبارةٌ عن تقليل العلف مدَّةً، وتدخل بيتًا كنًّا، وتجلَّل فيه لتعرق، ويجفَّ عرقه فيخفُّ لحمها وتقوى على الجري، و(الحَفْيَاءِ) بالمدَّ على الأشهر، وبفتح الحاء، وضَمَّها بعضهم فأخطأ، وقدَّم بعضهم الياء على الفاء، وبينها وبين (ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ) خمسة أميالٍ أو ستَّةٌ وقيل أو سبعةٌ، ومِنْ ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ إلى مسجد بني زُرَيْقٍ ميلٌ، وهو بتقديم الزَّاي على الرَّاء: بطنٌ مِنَ الخَزْرَجِ.
          رابعها: في فوائده:
          فمنها: جواز المسابقة (بَيْنَ الخَيْلِ) وهو إجماعٌ، وهو سُنَّةٌ عندنا، وقيل: مباحٌ، ومنها: تضميرها، وهو إجماعٌ أيضًا، وكانت الجاهليَّة تفعله فأقرَّها الإسلام، ومنها: تجويع البهائم على وجه الصَّلاح، وليس مِنْ باب التَّعذيب، ومنها: بيان الغاية الَّتي يسابق إليها ومقدار أمدها، ومنها: إطلاق الفعل على الآمر به، والمسوِّغ له، وليس في الحديث دلالةٌ على العوض فيها، ولا على جوازها على غير الخيل، ولا على غير ذلك مِنَ الشُّروط الَّتي اشترطها الفقهاء في عقد المسابقة، ومحلُّ الخوض فيها كتب الفروع، وقد بسطناها فيها، ولله الحمد، وأبعد مَنْ خصَّ الجواز بالخيل خاصَّةً عملًا بعادة العرب، ومَنْ جوَّز السَّبق في كلِّ شيءٍ كما حُكِيَ عن عَطَاءٍ، وقد حُمِلَ على ما إذا كان بغير رهانٍ.
          فائدةٌ: ذكر ابنُ التِّينِ أنَّه ◙ سابق بين الخيل على حُلَلٍ أتته مِنَ اليمن فأعطى السَّابق ثلاث حُلَلٍ، وأعطى المصلِّي حُلَتَيْنِ والثَّالث حلَّةً والرَّابع دينارًا والخامس درهمًا والسَّادس فِضَّةً، وقال بارك الله فيك، وفي كلِّكم، وفي السَّابق والفِسْكِل.