التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الصلاة إلى الراحلة والبعير والشجر والرحل

          ░98▒ باب الصَّلاَةِ إِلَى الرَّاحِلَةِ وَالْبَعِيرِ وَالشَّجَرِ وَالرَّحْلِ.
          507- ساق فيه حديث ابن عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلعم (أَنَّهُ كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا. قُلْتُ: أَفَرَأَيْتَ إِذَا هَبَّتِ الرِّكَابُ؟ قَالَ: كَانَ يَأْخُذُ هذا الرَّحْلَ فَيُعَدِّلُهُ فَيُصَلِّي إِلَى آخِرَتِهِ _أَوْ قَالَ: مُؤَخَّرِهِ_ وَكَانَ ابن عُمَرَ يَفْعَلُهُ).
          هذا الحديث أسلفنا الكلام عليه في باب الصَّلاة في مواضع الإبل [خ¦430]. وتكلَّمنا على هذه التَّرجمة أيضًا، وجعل خلفٌ في «أطرافه» هذا الحديث غير ذاك.
          و(آخِرَةُ الرَّحْلِ) أخرجها مسلمٌ أيضًا من حديث أبي ذرٍّ وأبي هُرَيرة، وفي النَّسائيِّ مِن حديث عائشةَ سُئل رسول الله صلعم في غزوة تَبُوكٍ عن سترة المصلِّي، فقال: ((مثلُ مؤخِّرةِ الرَّحلِ)).
          وقوله: (هَبَّت) أي: ثارت مِن مُنَاخها بمرَّةٍ قاله صاحب «المطالع»، وتأتي بمعنى: أسرعت، وقيل: نشطَت، وقيَّده الأَصيليُّ بضمِّ الهاء على لفظ ما لم يُسمَّ فاعله، والأوَّل أصوبُ. و(الرِّكاب): الإبل، وقال الدَّاوديُّ: إذا ذهبَتْ للرَّعي، والرَّحلُ الَّذي يُركب عليه، وهو الكُوْرُ كالسَّرج للفرس. و(يعدِّله): يقيمه تلقاءَ وجهه. و(آخِرَته) و(مُؤَخَّره) قال الجَوهريُّ: مؤخَّرةُ الرَّحل لغةٌ قليلةٌ في آخِرته. وقال ابن التِّين: رُوِّيناه بفتح الهمزة، وتشديد الخاء وفتحها. وقال القرطبيُّ: مؤَخِّرة الرَّحل هو العود الذي يكون في آخِرة الرَّحل بضمِّ الميم وكسر الخاء، قاله أبو عُبَيدٌ، وحكى ثابتٌ فيه كسرَ الخاء. وأنكره ابن أبي شَيبةَ، وأنكر ابن مَكِّيٍّ أن يُقال: مُقَدِّمٌ ومُؤَخِّرٌ بالكسر إلَّا في العين خاصَّةً، وغيرُه بالفتح.
          وحكمة السُّترة كفُّ البصر والخاطر عمَّا وراءها. و(الرَّاحلة): تقع على الذكر والأنثى كما سلف في ذلك الباب وقصره القَعنَبيُّ على الأنثى، ولأجل ذلك أردفه البخاريُّ بالبعير فإنَّه يقع عليهما، وكونه صلعم يُعرِّض راحلته ويصلِّي إليها دليلٌ على جواز السُّترة بما يثبت مِن الحيوان ولا يعارضه النَّهي عن الصَّلاة في معاطن الإبل؛ لأنَّ المعاطن موضع إقامتها عند الماء واستيطانها.