التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من صلى في فروج حرير ثم نزعه

          ░16▒ بَابُ مَنْ صَلَّى فِي فَرُّوجِ حَرِيرٍ ثُمَّ نَزَعَهُ
          375- ثُمَّ سَاقَ بإسنادِهِ مِنْ حَدِيْثِ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ قَالَ: (أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم فَرُّوجُ حَرِيرٍ، فَلَبِسَهُ، فَصَلَّى / فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا كَالكَارِهِ لَهُ، وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ).
          الكلام عليه مِنْ أوجهٍ:
          أحدُها: هذا الحديث أخرجه مسلمٌ في اللِّباس، والبخاريُّ أيضًا هناك [خ¦5801].
          ثانيها: (فَرُّوجُ) _بفتح الفاء ثمَّ راءٌ مضمومةٌ مشدَّدةٌ_ قال ابنُ الجَوْزِيِّ: كذا ضبطناه عن شيوخنا في كتاب أبي عُبَيْدٍ وغيره، ويُقَالُ: بضمِّ الفاء مِنْ غير تشديدٍ على وزن خُرُوجٍ، حُكِيَ عَنِ المَعَرِّيِّ، وقال القُرْطُبِيُّ: قُيِّدَ بفتح الفاء وضمِّها، والضَّمُّ المعروف، وأمَّا الرَّاء فمضمومةٌ على كلِّ حالٍ مشدَّدةٌ وقد تُخَفَّفُ.
          وقال ابنُ قُرْقُولٍ: هو بفتح الفاء والتَّشديد في الرَّاء، ويُقَالُ بتخفيفها أيضًا، وهو كما قال البخاريُّ في كتاب اللِّباس: القَبَاءُ الَّذي شُقَّ مِنْ خلفِهِ [خ¦5801]، وقال القُرْطُبِيُّ: القَبَاءُ والفَرُّوجُ كلاهما ثوبٌ ضيِّقُ الكُمَّيْنِ والوسط مشقوقٌ مِنْ خلفٍ، يتشمَّر فيه للحرب والأسفار، قُلْتُ: وهو لبس الأعاجمِ.
          ثالثُها: قيل: إنَّ لبسه كان قبل تحريم الحرير على الرِّجال، قال النَّوَوِيُّ: ولعلَّ أوَّل النَّهي والتَّحريم كان حين نزعه، ولهذا قال في حديث جابرٍ الَّذي عند مسلمٍ: ((صَلَّى في قَبَاءٍ دِيْبَاجٍ ثُمَّ نَزَعَهُ، وَقَالَ: نَهَانِي عَنْهُ جِبْرِيْلُ)) فيكون أوَّل التَّحريم هذا، قال ابنُ حَزْمٍ: ورُوِّيْنَا عن أبي الخيرِ: أنَّه سَأَلَ عُقْبَةَ بنَ عامرٍ الجُهَنِيَّ عن لبنةِ الحريرِ في جُبَّةٍ؟ فقال: ليس بها بأسٌ.
          رابعُها: قوله: (لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ) وفي روايةٍ: ((إِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ لِبَاسِ المُتَّقِينَ)) أي: المؤمنين، فإنَّهم هم الَّذين خافوا الله تعالى واتَّقوه بإيمانهم وطاعتهم له.
          خامسُها: اختلف العلماء في الصَّلاة في الثَّوب الحرير:
          فقال الشَّافعيُّ وأبو ثَوْرٍ: يحرم وتصحُّ، وقال ابنُ القَاسِمِ عن مالكٍ: مَنْ صلَّى في ثوبٍ حريرٍ يُعِيد في الوقت إن وجد ثوبًا غيره، وعليه جلُّ أصحابه، وقال الأَشْهَبُ: لا إعادة عليه في الوقت ولا غيره. وهو قول أَصْبَغَ، وخفَّف ابنُ المَاجِشُونَ لباسه في الحرب والصَّلاة به للتَّرهيب على العدو والمباهاة، وقال آخرون: إن صلَّى فيه وهو يعلم أنَّ ذلك لا يجوز يُعيد، ومَنْ أجاز الصَّلاة فيه احتجَّ بأنَّه لم يردْ عن الشَّارع الإعادة، وهو عجيبٌ؛ لأنَّه كان إذ ذاك مباحًا، ومَنْ لم يجزها أخذ بعموم تحريمه ◙ لباس الحرير للرِّجال.