-
المقدمة
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
باب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
→كتاب مواقيت الصلاة←
-
→كتاب الأذان←
-
باب فرض الجمعة
-
باب صلاة الخوف
-
باب في العيدين وتجمل فيه
-
باب ما جاء في الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
باب الصلاة في الكسوف الشمس
-
باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها
-
أبواب تقصير الصلاة
-
باب التهجد بالليل
-
باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
باب استعانة اليد في الصلاة
-
باب في السهو إذا قام من ركعتي الفرض
-
كتاب الجنائز
-
باب وجوب الزكاة
-
فرض صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
باب المحصر وجزاء الصيد
-
باب جزاء الصيد
-
فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
أبواب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارات
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
باب في الشرب
-
كتاب الاستقراض
-
باب ما يذكر في الإشخاص والملازمة والخصومة
-
باب في اللقطة وإذا أخبره رب اللقطة بالعلامة
-
كتاب المظالم والغضب
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة
-
كتاب العارية
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
كتاب الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
باب فضائل أصحاب النبي
-
باب مناقب الانصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الرضاع
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
[كتاب المرضى]
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
باب قول الله تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده}
-
باب من جر إزاره من غير خيلاء
-
باب التشمير في الثياب
-
باب: ما أسفل من الكعبين فهو في النار
-
باب من جر ثوبه من الخيلاء
-
باب الإزار المهدب
-
باب الأردية
-
باب لبس القميص وقول الله تعالى حكاية عن يوسف
-
باب جيب القميص من عند الصدر وغيره
-
باب من لبس جبةً ضيقة الكمين في السفر
-
باب القباء وفروج حرير
-
باب البرانس
-
باب السراويل
-
باب التقنع
-
باب المغفر
-
باب البرود والحبرة والشملة
-
باب الأكسية والخمائص
-
باب اشتمال الصماء
-
باب الاحتباء في ثوب واحد
-
باب ثياب الخضر
-
باب الثياب البيض
-
باب لبس الحرير وافتراشه للرجال وقدر ما يجوز منه
-
باب مس الحرير من غير لبس
-
باب افتراش الحرير
-
باب لبس القسي
-
باب ما يرخص للرجال من الحرير للحكة
-
باب الحرير للنساء
-
باب ما كانَ النبي يتجوز من اللباس والبسط
-
باب ما يدعى لمن لبس ثوبًا جديدًا
-
باب التزعفر للرجال
-
باب الثوب المزعفر
-
باب الثوب الأحمر
-
باب الميثرة الحمراء
-
باب النعال السبتية وغيرها
-
باب: يبدأ بالنعل اليمنى
-
باب: ينزع نعله اليسرى
-
باب: لا يمشي في نعل واحد
-
باب: قبالان في نعل ومن رأى قبالًا واحدًا واسعًا
-
باب القبة الحمراء من أدم
-
باب الجلوس على الحصير ونحوه
-
باب المزرر بالذهب
-
باب خواتيم الذهب
-
باب خاتم الحديد
-
باب نقش الخاتم
-
باب الخاتم في الخنصر
-
باب اتخاذ الخاتم ليختم به الشيء أو ليكتب به إلى أهل الكتاب
-
باب من جعل فص الخاتم في بطن كفه
-
باب قول النبي: لا ينقش على نقش خاتمه
-
باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر؟
-
باب الخاتم للنساء
-
باب القلائد والسخاب للنساء
-
باب استعارة القلائد
-
باب القرط للنساء
-
باب السخاب للصبيان
-
باب المتشبهون بالنساء والمتشبهات بالرجال
-
باب الأمرِ بإخراجهم
-
باب قص الشارب
-
باب تقليم الأظفار
-
باب إعفاء اللحى
-
باب ما يذكر في الشيب
-
باب الخضاب
-
باب الجعد
-
باب التلبيد
-
باب الفرق
-
باب الذوائب
-
باب القزع
-
باب تطييب المرأة زوجها بيديها
-
باب الطيب في الرأس واللحية
-
باب الامتشاط
-
باب ترجيل الحائض زوجها
-
باب الترجيل
-
باب ما يذكر في المسك
-
باب ما يستحب من الطيب
-
باب من لم يرد الطيب
-
باب الذريرة
-
باب المتفلجات للحسن
-
باب الوصل في الشعر
-
باب التصاوير
-
باب عذاب المصورين يوم القيامة
-
باب نقض الصور
-
باب ما وطئ من التصاوير
-
باب من كره القعود على الصور
-
باب كراهية الصلاة في التصاوير
-
باب: لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة
-
باب من لعن المصور
-
باب: من صور صورة كلف يوم القيامة أن ينفخ
-
باب الارتداف على الدابة
-
باب الثلاثة على الدابة
-
باب حمل صاحب الدابة غيره بين يديه
-
باب إرداف الرجل خلف الرجل
-
باب إرداف المرأة خلف الرجل
-
باب الاستلقاء ووضع الرجل على الأخرى
-
باب قول الله تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده}
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
[كتاب الرقاق]
-
[كتاب القدر]
-
كتاب الأيمان والنذور
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░92▒ بَابُ مَنْ كَرِهَ القُعُودَ عَلَى الصُّورَةِ.
5957- ذكر حديث عائِشَةَ ♦ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَقَامَ رسول الله صلعم بِالْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، قُلْتُ: (أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِمَّا أَذْنَبْتُ، قَالَ: مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةُ قُلْتُ: لِتَجْلِسَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فقَالَ: إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ، وَإِنَّ المَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ الصُّورُ).
نَمَارِقُ: وَسَائدُ مَصفُوفةٌ بعضُها إلى بعضٍ.
5958- وحديث اللَّيث، عن بُكَيرٍ، عن بُسْر بن سَعِيْدٍ، عَن زيدِ بنِ خالِدٍ، عن أبي طَلْحَة، واسمُه: زيدُ بن سهْلِ بن الأسود بن حَرَامٍ، ابن عمِّ حسَّانَ بن ثابتِ بنِ المنذرِ بن حَرَام بن عَمْرو بن زَيْدِ مَنَاة بن عَدِيِّ بن عَمْرو بن مالكٍ بن النَّجَّار، والد عَدِيٍّ أمُّه مَغَالة بنت فُهَيرة بن بَيَاضة، وأمُّ أخيه مُعَاوُيَة بن عَمْرو حُدَيلة بنت مالكِ بن زَيْدٍ مَنَاة بن حبيبِ بن عبدِ حارثَةَ بن مالكٍ بن غضب بن جُشَم بن الخَزْرج جدُّ أُبيِّ بن كَعْبِ بن قيسِ بن عُبَيْدٍ بن زَيْدٍ بن مُعَاوُيَة أنَّه قال: إنَّ رسول الله صلعم قال: ((إنَّ الملائكةَ لا تدخلُ بيتاً فيه الصُّورةُ)).
قال بُسْر بن سَعِيْدٍ: ثمَّ اشتكى زيدٌ فعُدناهُ فإذا على بابه سِترٌ فيه صورٌ، فقلت لعُبَيد الله رَبِيب ميمونةَ زوج النَّبِيِّ صلعم: ألم يخبرنا زيدٌ عن الصُّور يوم الأوَّل؟ فقال عُبَيد اللهِ: ألم تسمعه قال: إلَّا رَقْماً في ثوبٍ؟
قال ابن وَهْبٍ: أخبرنا عَمْروٌ هو ابن الحرثِ، حدَّثه بُكَيرٌ، حدَّثه بُسْرٌ حدَّثه زيْدٌ حدَّثه أبو طَلْحَة عن النَّبِيِّ صلعم.
وهذا رواه الإسْمَاعيلِيُّ عن إبراهيمَ بن موسى، حَدَّثَنا جَعْفَرٌ الصَّائغُ، حَدَّثَنا هَارُون بن معروفٍ، حَدَّثَنا عبد الله بن وَهْبٍ به.
اختلف العِلْماء في الصُّور وقد أسلفنا طَرَفاً منه فَكَرِه ابن شِهَابٍ ما رُسِم فيها وما بُسط كان رَقْماً أو لم يكن على حديث نافعٍ عن القاسم، عن عائِشَة ♦ وقد أسلفناه عنه.
وقالت طائفةٌ: إنَّما يُكره منها ما كان في الحَيْطان وأمَّا ما كان رَقْماً في ثوبٍ فلا، على حديث أبي طَلْحَة وسواءٌ كان الثَّوب منصوباً أو مبسوطاً. وبه قال ابن القاسم وخالف حديث عائِشَة ♦.
وقد روى ابن وَهْبٍ، عن عُمَرَو بن الحارثِ، عن عبد الرَّحمن بن القاسمِ، عن عائِشَة أمِّ المؤمنين، أُدخِلت أسماءُ بنت عُمَيسٍ على القاسم بِحَجَلةٍ فيها تصاويرُ، قال القاسم: فتلك الحَجَلة عندنا بعدُ.
وقال آخرون: لا يجوز لباس ثوبٍ فيه صُورةٌ ولا نصبُهُ، وإنَّما يجوز مِن ذلك ما يُوطأ ويُمتَهن.
واحتجَّوا بحديث سُفْيَانَ عن عبد الرَّحمن بن القاسِمِ، عن أبيه، عن عائِشَة ♦ قالت: ((سَتَرْتُ سَهْوَةً لي بسِترٍ فيه تَصاوِيرُ، فلمَّا رآه رسول الله صلعم هتَكَه، فجَعَلْتُه وِسَادةً أو وِسَادتين)). ورواه وَكِيعٌ عن أسامة بن زَيْدٍ، عن عبد الرَّحمن بن القاسم وزاد فيه: ((فرأيتُ رسول الله صلعم مُتَّكِئاً على إحداهما، قالوا: فكَرِه رسول الله صلعم ما كان سِتراً، ولم يكره ما يُتَّكأ عليه ويُوطأ، وبهذا قال سعدُ بن أبي وقَّاصٍ وسالِمٌ وعُرْوَة وابن سِيرينَ وعَطَاءٌ وعِكْرِمَةُ، قال عِكْرِمَة فيما يُوطَأ مِن الصُّور: هو أذلُّ لها)).
وهذا أوسط المذاهب في هذا الباب، وهو قول مالكٍ والثَّوْرِيِّ وأبي حنيفةَ والشَّافِعِيِّ.
وقال الطَّحاويُّ: يحتمل قوله: (إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ) أنَّه أراد رَقْماً يُوطأ ويُمتهن كالبُسْط والوَسَائد.
وقال الدَّاوُدِيُّ: حديثُ سُفْيَان وأسامةَ بن زَيْدٍ، عن عبد الرَّحمن بن القاسمِ، عن أبيه، عن عائِشَة ناسخٌ لحديث نافِعٍ، عن القاسم، عن عائِشَة. وإنَّما نهى الشارع أوَّلاً عن الصُّور كلِّها وإن كانت رَقْماً لأنَّهم كانوا حديثي عَهْدٍ بعبادة الصُّور، فنهى عن ذلك جُملةً ثمَّ لَمَّا تقرَّر نهيه عن ذلك أباح ما كان رَقْماً في ثوبٍ للضَّرورة إلى اتِّخاذ الثِّياب، وأباحَ ما يُمتهن لأنَّه يؤمَن على الجاهل تعظيم ما يُمتهن وبقي النَّهي فيما يرفَّه ولا يُمتهن، / وفيما لا حاجةَ بالنَّاس إلى اتِّخاذه وما يبقى مخلَّداً في مِثل الحَجَر وَشَبهه مِن الصُّور التي لها أجْرَامٌ وظلٌّ لأنَّ في صُنعها التشبيه بخلق الله تعالى، وكَرِه بعضهم ماله رُوحٌ وإن لم يكن له ظِلٌّ على ظاهر حديث عائِشَة: ((إنَّ أشدَّ النَّاس عذاباً يوم القيامة المصوِّرون، يُقال لهم: أَحْيُوا ما خَلَقتم))، وكره مُجَاهِدٌ صورة الشَّجر المُثْمِر، ولا أعلم أحداً كرهها غيره.
فَصْلٌ: (النُّمْرُقةُ): وِسَادةٌ صغيرةٌ، وقيل: مِرْفَقَة، قال الجَوْهرِيُّ: وربَّما سمُّوا الطِّنْفِسة التي فوق الرَّحْل نُمْرُقة، عن أبي عُبَيدٍ.
قال الشيخ أبو الحَسَن: الرواية: فتح النُّون وضمُّ الراء، والذي ذكره أهل اللُّغة أنَّ فيها لُغَتين كسر النُّون والراء وضَمُّهما حاشا أبا عبد الله القزَّاز، فإنَّه ذكر فيها ثلاث لغاتٍ وقد حكاها ابن عُدَيسٍ، والثالثة: ضمُّ النُّون وفتح الراء، قال: ويُقال: نُمرقٌ بلا هاء.
وفي «المحكم»: قيل: هي الطِّنْفِسة. وفي «الكامل»: النُّمْرُق ما يُجْعَل تحت الرَّحْل.
فَصْلٌ: لخَّص ابن التِّين الخلاف السالف فقال: اختلف العِلْماء في تأويل خبر عائِشَة هذا، وحديث عُبَيْدِ اللهِ: (إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ) فقيل: خبر عائِشَةَ منسوخٌ لأنَّ الرُّخصةَ نَسَخت الشِّدَّة، فإنَّ النَّهي كان لحدثانهم بكفرٍ وبعبادة الصُّور، ثم أُبيح ما كان رَقْماً في ثوبٍ للضَّرورة في اتِّخاذ الثِّياب، ولأنَّ الجاهل يُؤمَن عليه تعظيمُ ما يَطأ ويَمْتَهِنه عليه، وبقي النَّهي فيما يُرفه ولا يُمتهن وفيما لا حاجةَ للنَّاس في اتَّخاذه وفيما كان في حَجَرٍ يبقى وله ظلٌّ لأنَّ فيه التَّشبيه بخلْقِ الله.
وقيل: حديثها في النُّمْرُقة مفسِّرٌ لكلِّ حديثٍ جاء في الصُّور وناسخٌّ له لأنَّه خبرٌ، والخبرُ لا يُنْسَخ، قاله الدَّاوُدِيُّ، وقال أبو عبد الملك: خبر عائِشَة منسوخٌ.
فإن قلت: كيف يُنسخ وقد أخبرَ بما يكون في الآخرة، والخبر لا يُنسخ لأنَّه يدخل في ذلك الكَذَب؟ قيل له: هذا أمرٌ اختلَف فيه النَّاس، وإذا قارن الخبر الأمر جاز فيه النَّسخ، وهذا قارنه الأمرُ ووقع النَّسخ في الأمر، وهي العِبادة التي أَمَرَهم بألَّا يتَّخذوها ثمَّ نسخَ ذلك بالإباحة.
وقيل: حديث عائِشَة خبرٌ لا يُنسخ، ومعناه: أنَّه كَرِه النُّمْرُقة في خاصَّةِ نفسِه وأباحها للناس للحاجة إلى ذلك، وكان ◙ يكره لخاصَّةِ نفسه وزوجاته وبناته الدُّنْيَا، وفيه بعد لقوله: ((إنَّ أصحابَ هذه الصُّور يعذَّبون يوم القيامة)).
وقيل: خبر عائِشَة مخصوصُ بالأجر. ومذهب مالكٍ أنَّه لا يجوز اتِّخَاذ التَّماثيل في ثيابٍ أو لباسٍ أو فراشٍ إلَّا أن يكون رَقْماً في ثوبٍ أو بساطٍ وأنَّ ذلك لا يجوز في الخَشَب والحِجَارة والجِصِّ في البيوت. ذكره الشيخ أبو القاسم في «تفريعه».
وحديث القِرَام والرَّقْم حُجَّةٌ لمالكٍ لأنَّه إنَّما علَّل في القِرَام بأنَّ تصاويره لا تزال تُعرض عليه في صَلَاته، وقيل: يحتمل أن يكون ممَّا لا رُوح له فلذلك لم ينهَ إلَّا مِن أجل نظره إليه في الصَّلَاة. وقيل: يجوز ما بُسط وامتُهن دون ما نُصبَ أو لُبسَ.
وهو قول جماعةٍ كما سلف، ودليلهم حديث السَّهْوَةِ المتقدِّم: ((وكان سِترًا فردَّه وِسَادةً يَتَّكأ عليه))، وَكَرِه بعضهم ما له رُوحٌ وإن لم يكن له ظِلٌّ لقوله: (أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ).
وقال الحَازِميُّ: حديث الوِسَادة والسَّهْوَة رُبَّما يتعذَّر على غير المُتَبحِّر الجمع بينهما.
وفيه دلالة النَّسخ، أَلَا تَرَى قول عائِشَة ♦: ((فجعلتُهُ على سهوةٍ في البيت)). وكان ◙ يُصَلِّي إليه. والضَّمير عائدٌ إلى الثَّوب الذي فيه تَصَاويرُ لا إلى السَّهْوَة كما توهَّمه بعضهم.
وقال: السَّهْوَةُ هي المكان. فيكون الضَّمير عائداً على المعنى، إذ الحمل على المعنى يفتقرُ إلى تقديرٍ، والتقدير خِلاف الأصل، وأيضاً لم يكن البيت كبيراً بحيث يخفَى مكان الثَّوب على رسول الله صلعم.
وفي قوله: (أَخِّرِيْهِ عَنِّيْ) ما يؤكِّد ما قلنا لأنَّها ذَكَرَته بلفظ (ثمَّ) وهذه الكلمة موضوعةٌ للتراخي والمُهْلَة، ويدلُّ عليه حديث أبي هُرَيْرَةَ ☺. يعني السَّالف عن النَّسائيِّ.
فَصْلٌ: قال الطَّحاويُّ في «مُشكله»: روى أبو وائلٍ عن عبد الله أنَّه ◙ قال: ((إنَّ أشدَّ النَّاس عذاباً يوم القيامة: رَجُلٌ قتلَ نبيَّاً أو قتَلَهُ نبيٌّ، وإمام ضَلَالةٍ، وممثِّلٌ مِن المُمَثِّلين)).
قال: فَوَقفنا بهذا الحديث على أنَّه لا مثلَ لأهل هذه الأصناف الثلاثة في شدَّة العذاب مِن أحدٍ مِن النَّاس سواهم، غير أنَّه قد رُوي في حديث عائِشَة ما يُعارضه قالت: ((دخلَ عليَّ رسول الله صلعم وأنا مُستترَةٌ بِقِرَامٍ فيه صورٌ فَهَتَكه، ثمَّ قال: إنَّ أشدَّ النَّاس عذاباً يوم القيامة الذين يُشبِّهون بخلْقِ الله)) إلَّا أنَّ الصَّحيح في الحديث رواية مَن روى أنَّه ◙ قال: ((مِن أشدِّ النَّاس عذاباً..)) الحديثَ، لأنَّ التَّعارُض ينفى على هذه الرواية، إذ كان المشبِّه بخلْق الله هو الممثِّلُ بخلْقِ الله وأحد الأصناف الثلاثة الأُوَل، ورُوي أيضاً مِن حديثِ عائِشَة ♦ أنَّها قالت: قال رسول الله صلعم ((أشدُّ النَّاس عذاباً يوم القيامة رجلٌ هَجَا رجلًا فهَجَا القبيلة بأسرها))، وهذا يُعارض الحديث الأوَّل إلَّا أنَّه غير صحيحٍ، والصَّحيح فيه رواية مَن روى ((أعظم النَّاس فِريةً يوم القيامة الرَّجُل يهجو القبيلةَ بأسرها))، وهو على هذا لا خلاف فيه للأوَّل، فيحتمل أن يكون مَن رواه على غير هذا مِن رُواتهِ قد قصَّر في الحفظ.
وأفسدَ هذا ابن رشدٍ بأن قال: بناهُ على أنَّ اللفظ الخاصَّ معارِضٌ للفظِ العامِّ وذلك غير صحيحٍ. ويُقال له: إذا أَبْطَلت رواية مَن روى في الحديث الثاني: (أَشَدُّ النَّاسِ) لمعارضتهِ عندك الحديث الأوَّل وأبطَلَت الثالث لمعارضته عندك أيضاً الحديث الأوَّل، فما حيلتك في قوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}؟ [غافر:46] وجعل الحديث الأوَّل أيضاً دالًّا على أنَّ الأصناف الثلاثة المذكورة فيه متساوون في شدَّة العذاب، وذلك ما لا يدلُّ عليه الكلام ولا يصحُّ في الاعتبار لأنَّ مَن قتلَ نبيًّا لا يكون إلَّا كافراً، وكذلك المراد ((مَن قتَلَه نبيٌّ)) إذا لو قتلَهُ وهو مُسلمٌ على حدٍّ لكان القتل كفَّارةً له، ولا يستوي الكافر مع المؤمن في شدَّة العذاب.
والصَّواب: أنَّ الأحاديث الثلاثة على ما رُوِّيت عليه لا تعارُض بينها لأنَّها والآيةَ المذكورةَ مخصِّصةٌ بعضها لبعضها ومفسِّرةٌ له لا تعارُض في شيءٍ مِن ذلك؛ لأنَّ التعارُض إنما يكون إذ لا جمع، أَلَا تَرَى أنَّ هذه الأحاديث لو جاءت في نسقٍ واحدٍ لا تناقض إذ يُضمر في الأوَّل وفي الآية: مِن الكفَّار وفي الثاني: مِن المسلمين.
والأظهرُ أنَّ الأوَّل مستوون في شِدَّة العذاب ويحتمل التفاضُل، وكذا يقول في الثاني، أَلَا تَرَى أنَّك تقول: أعلم أهل البلدةَ فلانٌ وفلانٌ، وإن كان بعضُهم أعلَمَ مِن بعضٍ.