التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الوصل في الشعر

          ░83▒ بَابُ الوَصْلِ فِي الشَّعَرِ.
          5932- 5933- 5934- 5935- 5936- 5937- 5938- ذكر فيه حديث مُعَاوُيَةَ وأبي هُرَيْرَةَ ☻ وعائِشَة وأسماءَ وابن عُمَر ☺ في ذلك، وقد سلف.
          وذكر في حديث عائِشَة متابعاً فقال: تابعه ابن إسحاقَ عن أبانَ بن صالِحٍ، عن الحَسَن، عن صَفِيَّة، عن عائِشَة.
          وذكر حديث أبي هُرَيْرَةَ بلفظ: وقال ابن أبي شَيْبَة ثمَّ ساقه. ثمَّ ترجم:
          ░84▒ بَابُ المُتَنَمِّصَاتِ.
          5939- وذكر حديث عبد الله السَّالف، ثمَّ ترجم:
          ░85▒ بَابُ المَوْصُولَةِ.
          5940- 5941- 5942- 5943- وذكر حديث ابن عُمَر وأسماءَ وابن مَسْعُودٍ ♥، ثمَّ ترجم:
          ░86▒ بَابُ الوَاشِمَةِ.
          5944- وذكر حديث أبي هُرَيْرَةَ: (العَيْنُ حَقٌّ) ونهى عن الوَشْمِ.
          5945- وحديث أبي جُحَيْفَة: (وَالوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ). ثمَّ ترجم:
          ░87▒ باب المَوْشُومَةِ.
          5946- ثمَّ ذكر حديث أبي هُرَيْرَةَ: (لاَ تَشِمْنَ وَلاَ تَسْتَوْشِمْنَ).
          5947- 5948- ثمَّ ذكر حديث ابن عُمَر وابن مَسْعُودٍ.
          وفي حديث عائِشَة أبانُ بن صالِحِ بن عُمَيرٍ بن عُبَيْدِ أبو بكْرٍ المكِّيُّ وقيل: المَدَنيُّ _جدُّ مُشْكُدَانَةَ أبي عبد الرَّحمن عبد الله بن عُمَر بن مُحَمَّد بن أبانَ_ أصله مِن العرب، _وأصابه سِبَاء_ القُرَشيِّ مولى عُثْمَان بن عفَّان، ويُقال: الجُعْفِيُّ وليس منهم، وإنَّما جدُّه مُحَمَّد بن أبانَ تزوَّج في الجُعْفِيِّيْنَ فنُسِبَ إليهم. قال: لقَّبني أبو نُعَيمٍ وكنت إذا أتيته تلبَّست وتطيَّبت، فإذا رآني قال: قد جاء مُشْكُدَانَةُ.
          ومُشْكُدَانَةُ: وِعَاءُ الطِّيب، روى عنه مُسْلمٌ وأبو داودَ وابن ماجه، مات في المحرَّم سنة تسعٍ وثلاثين، وقيل: سنة ثمانٍ وثلاثين ومائتين.
          و(يَنَّاقٍ): جدُّ الحَسَن بن مُسْلمٍ بمثنَّاةٍ تحت ثمَّ نونٍ ثمَّ قافٍ.
          وحديث أسماءَ فيه / (منصورُ بن عبد الرَّحمن) ابن طَلْحَة بن طَلْحَة بن أبي طَلْحَة عبد الله بن عبد العُزَّى بن عُثْمَان بن عبد الدَّارِ، وأُمُّه صَفِيَّة بنت شَيْبَة بن عُثْمَان بن أبي طَلْحَة.
          وحديث ابن عُمَر في باب الموصولة فيه: (الفَضْلُ بنُ دُكَينٍ). كذا هو في الأُصُول، قال الجيَّانيُّ: وقع هنا: <الفضل بن زُهَيرٍ> وفي بعضها: (دُكَينٍ) وكلاهما صَوابٌ، فإنَّه الفضل بن دُكَينِ بن زُهَيرٍ.
          وأبو جُحَيْفَة اسمه وَهْبُ بن عبد الله السُّوَائِيُّ، تُوفِّي رسول الله صلعم وهو مُرَاهقٌ، ووَلِيَ بيت المال لعليٍّ، ولَدُهُ عُوْنٌ.
          قال الطَّبَرِيُّ: وقد اختلف العِلْماء في نهيه ◙ عن الوَصْل في الشَّعر فقال بعضهم: لا بأس عليها في وصْلِها شَعَرها ما وَصَلت به مِن صُوفٍ وَخرَقٍ وشَبه ذلك رُوي ذلك عن ابن عبَّاسٍ وأمِّ سَلَمَةَ أمِّ المؤمنين، وعِلَّة هذه المقالة قول مُعَاوُيَة حين أخرجَ القُصَّة مِن الشَّعَر، وقال: نهى رسول الله صلعم عن مِثْلِ هذه. قالوا: وأمَّا الخِرَق والصُّوف فليس ذلك ممَّا دخلَ في نهيه.
          وقال آخرون: كلُّ ذلك داخلٌ في نهيه لعُمُوم الخبر عنه أنَّه لعَنَ الوَاصِلة والمُسْتَوْصِلَة، فبأيِّ شيءٍ وَصَلَته فهي وَاصِلَةٌ، رُوي ذلك عن أمِّ عَطِيَّةَ.
          وقال آخرون: لا بأس عليها في وَصْله بما وَصَلت به مِن شيءٍ شعراً كان الذي وَصَلت به أو غيره، رُوي ذلك عن عائِشَة، وسألها ابن أَشْوَعَ: أَلَعَنَ رسول الله صلعم الوَاصِلَة؟ قالت: أيا سبحانَ الله! وما بأس بالمرأة الزَّعْراء أن تأخذَ شيئاً مِن صُوفٍ فَتَصِلَه شَعَرها تتزيَّنُ به عند زوجها، إنَّما لعنَ الله المرأة الشابَّة تبغي في شَبِيبتها حتَّى إذا أسنَّت هي وَصَلتها بالقيادة.
          وسُئل عَطَاءٌ عن شُعُور النِّساء أيُنتفع بها؟ قال: لا بأس بذلك.
          وقال آخرون: لا يجوز الوَصْل بشيءٍ شَعَراً ولا غيره، ولا بأس أن تَضَع الشَّعَر أو غيره على رأسها وضعاً ما لم تَصِلْه، رُوي ذلك عن إبراهيم. وعلَّة هذا القول أنَّ الخبر إنَّما ورد النَّهي عنه، فأمَّا ما لم يكن وَصلاً فلا بأس به.
          والصَّواب كما قال الطَّبَرِيُّ: أن يُقال: غير جائزٍ أن تَصِل بِشَعَرها شيئاً مِن الأشياء، لتجمَّل به شَعَراً كان أو غيره لعموم نهي رسول الله صلعم أن تَصِل بِشَعَرها شيئاً، وأمَّا خبر ابن أَشْوَع عن عائِشَة فهو باطلٌ لأنَّ رواته لا يُعرفون، وابن أَشْوَع لم يُدرك عائِشَة.
          قال غيره: وإنَّما قال مُعَاوُيَة: يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟ وإن كانت المدينة دار العِلْم وَمَعْدِن الشريعة وإليها يفزعُ النَّاس في أمر دينهم، أَلَا تَرَى أنَّ مُعَاوُيَة قد بعثَ إلى عائِشَة يسألها عن مسائلَ نزلتْ به فقال: يا أهل المدينة، أين علماؤكم الذين يَلْزمهم تغيير المنكر والتشدُّد على مَن استباحَ ما نهى عنه رسول الله صلعم، ولا يجوز أن يُقال: إنَّ المنكر كان بالمدينة ولم يغيِّرهُ أهلها لأنَّه لا يخلو زمانٌ مِن ارتكاب المعاصي، وقد كان في وقْتِ رسولِ الله صلعم مَن شَرِب الخمر وسَرقَ وزَنى إلَّا أنَّه كان شاذًّا نادرًا، ولا يحلُّ لمسلمٍ أن يقول: إنَّه ◙ لم يُغيِّر المنكر، فكذلك أمرُ القُصَّة كان شاذًّا بالمدينة.
          ولا يجوز أن يُقال: إنَّ أهلها جهلوا النَّهي عنها لأنَّ حديثَهُ في لَعْن الوَاصِلة والمُسْتَوصِلة حديثٌ مَدنيٌّ رواه نافِعٌ عن ابن عُمَر، ورواه هِشَامُ بن عُرْوَة، عن فاطمةَ بنت المنذرِ، عن أسماءَ، عن رسول الله صلعم وهو معروفٌ عندهم مُستفيضٌ.
          فَصْلٌ: ولعنَ الشارعُ الوَاصِلة والمُسْتَوصِلة والوَاشِمة والمُسْتَوشِمة، لأنَّهما تعاونا على تغيير خَلْق الله. وفيه دليلٌ أنَّ مَن أعان على معصيةٍ فهو شَرِيكٌ في الإثم.
          فَصْلٌ: القُصَّة _بضمِّ القاف_ ما أقبلَ على الجبهة مِن شَعَر الرأس. قاله الأصْمَعِيُّ.
          فَصْلٌ: قول مُعَاوُيَة: (أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رسول الله صلعم يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ)، وتناول قُصَّةً مِن يدِ حَرَسِيٍّ.
          قيل: رأى ذلك لأنَّه رأى نِساء المدينة اسْتَسْهَلنَ فعْلَ ذلك، وكان الأمراء حينئذٍ يتَّبعون قول العِلْماء. وقيل: أراد أن يُعلِّمهم ويحذِّرَهم، ذكرهما ابن التِّين، وقد سلف أيضاً.
          فَصْلٌ: والحَرَسِيُّ: الواحد مِن الحَرَس للسُّلطان وَحِرَاسه، وقلت: (حَرَسِيٍّ) لأنَّه صار اسمَ جِنْسٍ فنُسِب إليه، ولا تقل: حارِسٌ، إلَّا أن يذهب به إلى معنى الحِرَاسة دون الجِنْس.
          فَصْلٌ: قولها: (مَرِضَتْ فَتَمَعَّطَ شَعَرُهَا) أي تناثَرَ، وكذلك أمرقَ، وأمرطَ. أي: انتثرَ وتَنَاثرَ.
          وقولها: (فَتَمَرَّقَ) وفي روايةٍ: ((فانمرقَ))، رُوي بالواو والراء، والزاي قاله ابن التِّين.
          قال: وبالزاي قرأناه، وهو أظهر. وقال مرَّةً: أبين. قال: وأصل (امَّرق): انمرق، أُبدلت النُّون ميماً وأُدغمت في الميم الأخرى. قال: ورُوي: <فأَمزَقَ>: رُباعيِّ على ما لم يُسم فاعله ولا أعرفُ وجهه.
          وعليه اقتصر ابن بطَّالٍ على الزاي، فقال هنا: قال صاحب «الأفعال»: مَرَقَ الشَّعَر والصُّوف: نَتَفه، وأَمْرَقَ الشَّعر: حانَ أن يُنتتف.
          وكذا قال الخطَّابيُّ: تمزَّق مِن المُزَوق، وهو خُرُوج الشَّعَر مِن أصلهِ، والتاء مفتوحةٌ، ونُهي عنه لِمَا فيه مِن الغِشِّ والخِدَاع، ولو رُخِّص في ذلك لكان وسيلةً إلى أنواعٍ مِن الغِشِّ والخداع، وإنَّما توعَّد على ذلك باللَّعن مِن جهة أنَّ هذه الأمور تُغيِّر الخِلْقَة، ويتعاطى فاعِلُها بخلقٍ صنعةَ الآدمي. قال: ولعلَّه يدخُلُ في هذه صَنْعة الكيمياء، فإنَّ مَن تعاطاها إنَّما يرومُ أن يُلحق الصَّنعة بالخِلْقَة، كذلك هو في كلِّ مصنوعٍ يتشبَّه بمصبوغٍ، وهو بابٌ مِن الفساد عظيمٌ، قال: ورخَّص أكثر أهل العِلْم في القَرامل في ذلك لأنَّ أمرها لا يشتبه في إحاطة عِلْم النَّاس بأنَّها استعارةٌ، فلا / يُظنُّ بها تغيير الخِلْقَة.
          فَصْلٌ: وقول نافِعٍ إثر حديث ابن عُمَر ☻: (الوَشْم في اللِّثَة) هو بكسر اللام، ثمَّ مثلَّثةٍ مخفَّفةٍ، وهو ما حول الأسنانِ، وأصلها: لثي، والهاء عوضٌ مِن الياء، وجمعها: لِثَاتٌ ولِثَىً، واعترض ابن التِّين على هذا التفسير فقال: الذي ذكره أبو عُبَيدٍ وغيره: أنَّ الوَشْم في اليد، وقال الدَّاوُدِيُّ: هو أن يُعمل على لَحْم الأسنان صُفْرةٌ وغيرها. قال ابن التِّين: وقول أهل اللُّغة ما تقدَّم.
          فَصْلٌ: وقولها: (أصابتها الحَصْبة)، قال الجَوْهرِيُّ: هو بَثْرٌ يخرجُ في الجسد، وقد يُحرَّك _يريد الصاد_ تقول منه: حَصِب جسدُه _بالكسر_ وهو بفتح الحاء.
          وقال الدَّاوُدِيُّ: (الحَصْبة): حبٌّ كالجُدْرِيِّ أو أصغر منها شيئاً.
          فَصْلٌ: قوله: (وَالمُوتَشِمَةُ) كذا صوابه بالتَّاء قبل الشين، ووقع في أصل الشيخ أبي الحَسَن عكسُه على وزن مفعِلةٍ، قال ابن التِّين: ولا أعرفُ له وجهاً.
          فَصْلٌ: قوله في حديث أبي جُحَيْفَة: (نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ)، أي: بيعهُ لا أُجرته كما ادَّعاه بعضهم وهو غَلَطٌ لأنَّه لم يَمْلِك الدَّم وباعَه إنَّما هو أُجْرة حَمْلِه.
          وقوله: (وَآكِلِ الرِّبَا) هو الذي يعملُ به ويأكلُ منه كما قاله القزَّاز. وقال الدَّاوُدِيُّ: هو الأخذُ وإن لم يأكل.
          وقوله: (وَمُوكِلَهُ) هو الذي يزيدهُ في المال ليصبرَ عليه لأنَّه مُطعمه، وذلك أنَّه كان في الجاهليَّة إذا حلَّ الدَّينُ فإن قَضَى أخذه وإلَّا أربا وزادَ في الأجل.
          وقوله قبله: (وَثَمَنِ الكَلْبِ) هو عامٌّ في كلٍّ كلبٍ، وبه قال مالكٌ.
          وقيل: ما عدا كلب الصَّيد والماشية قاله ابن وَهْبٍ.
          قال سُحنُون: أحجُّ بثمنهِ، وهذا منه غايةٌ في التحليل.