التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما وطئ من التصاوير

          ░91▒ بَابُ مَا وُطِئَ مِنَ التَّصَاوِيرِ.
          5954- ذكر فيه حديث عائِشَة ♦: قَدِمَ النَّبِيُّ صلعم مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى سَهْوَةٍ لِي فِيهَا تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صلعم هَتَكَهُ وَقَالَ: أَشَدُّ النَّاس عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ، قَالَتْ: فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ.
          5955- 5956- وحديثها أيضاً: قَدِمَ رسول اللهُ صلعم مِنْ سَفَرٍ، وَعَلَّقْتُ دُرْنُوكًا فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَنْزِعَهُ فَنَزَعْتُهُ، وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ الله صلعم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ.
          الشَّرح: في هذا الحديث حُجَّةٌ لمن أجاز مِن استعمال الصُّور ما يُمتهن ويُبسط.
          وهو قول الثَّوْرِيِّ ومالكٍ والشَّافِعِيِّ وأبي حنيفةَ، أَلَا تَرَى أنَّ عائِشَة ♦ فَهِمتُ مِن إنكاره للصُّور في السِّتر إنَّما كان لِمَا كان منصوباً ومُعلَّقاً دون ما كان منها مبسوطاً يُمتهن بالجُلُوس عليه والارتفاق به، فلذلك جَعَلَتْه وِسَادةً، وستأتي مذاهب العِلْماء فيه بعدُ.
          وقوله: (إِنَّ أَشَدَّ النَّاس) إلى آخره تفسير حديث ابن مَسْعُودٍ السَّالف، ويدلُّ أنَّ الوعيدَ الشديدَ إنَّما جاء لمن صوَّر صورةَ مُضَاهاةٍ لخَلْق الله كما سلف.
          فَصْلٌ: روى البُخَارِيُّ الحديث الأوَّل عن عليِّ بن عبد الله، حَدَّثَنا سُفْيَانُ سمعتُ عبد الرَّحمن بن القاسمِ _وما بالمدينة يومئذٍ أفضلُ منه_ قال: سمعتُ أبي قال: سمعتُ عائِشَة ♦، فذكره كما سلف.
          فيه: ذِكْر فضْلِ عبد الرَّحمن، قال مَعْمَرٌ: ما رأيت فقيهاً أفضلَ مِن عبد الله بن طَاوُسٍ، قيل له: ولا هِشَامُ بن عُرْوَة؟ قال: ما كان يَفْضُلُه ولم يكن مِثْله. قال إسماعيلُ بن إسحاقَ: لم يرَ مَعْمَرٌ عبد الرَّحمن بن القاسم. يعني: لو رآه لفضَّله على ابن طَاوُسٍ.
          فَصْلٌ: قولها: (سَتَّرَتْ) هو بتشديد المثنَّاة فوق. فَصْلٌ: القِرَام _بكسر القاف_ السِّتْر الرَّقيق، قاله ابن فارسٍ والهَرَويُّ. قال الجَوْهرِيُّ: وهو سِترٌ فيه رَقْمٌ ونُقُوشٌ، وكذلك المِقْرَم والمِقْرَمة.
          والسَّهْوَة بفتح السِّين المهملة، قال الأصْمَعِيُّ فيما نقله عنه الجَوْهرِيُّ: هي كالصُّفَّة تكون بين يدي البيوت.
          وقال أبو عُبَيدٍ: سمعتُ غير واحدٍ مِن أهل اليمن يقولون: إنَّها بيتٌ صغيرٌ منحَدِرٌ في الأرض، وسَمْكُهُ مرتفعٌ منها يُشبَّه بالخزانة الصَّغيرة يكون فيها المَتَاع. وقال بعضهم: إنَّها شَبيهةٌ بالرفِّ أو بالطَّاقِ يُوضَع فيه الشيء. قال أبو عُبَيدٍ: وقول أهل اليمن عندي أشبهُ ما قيل فيها.
          وقال الخليل: هي أربعةُ أعوادٍ يُعرض بعضها على بعضٍ ثمَّ يُوضَعُ عليها المتاع.
          وقال ابن الأعرابيِّ: هي الكوَّة بين الدَّارين. وقيل: بيتٌ صغيرٌ يشبهُ المَخْدَع. وقيل: هو كالصُّفَّة بين يدي البيت. وقيل: شبه دِجْلة يكون في البيت.
          وفي «المحكم»: أنَّها حائطٌ صغيرٌ يُبنى بين حائطي البيت ويُجعل السَّقف على الجميع، فما كان وسْطَ البيت فهو سَهْوَةٌ، وما كان داخلَهُ فهو المَخْدَع، وقيل: هو صُفَّة بين بيتين، أو مَخْدَعٌ بين بيتين يَستترُ بها سُقَاة الإبل مِن الحرَّ.
          وقيل: هو ثلاثةُ أعوادٍ يُعرض بعضها على بعضٍ، وقيل: إنَّها الصخرة، طَائِيَّةٌ، لا يسمُّون بذلك غير الصَّخرة، وجمع ذلك كلُّه سِهَاءٌ. وفي «الغريبين»: السَّهْوَة: الكُنْدُوج.
          والهتك: خَرْقُ السِّتر عمَّا وراءه، و(يُضَاهُونَ): يُشاكلون ويُشابهون، يُهمَز ولا يُهمَز، وقُرئ بهما.
          وقوله: (أَشَدُّ النَّاس عَذَابًا) أي: مِن أشدِّهم لأنَّ إبليسَ وابن آدمَ الذي سنَّ القتل أشدُّ النَّاس عذاباً.
          والوِسَادة: المِخَدَّة، ويحتمل أنَّ نزول الصُّورة في تقطيع السِّتر وِسَادةٌ، أو يكون ذلك قبل حديث النُّمْرُقَةِ إذ يفرَّق بين ما كان في سِتْرٍ أو وِسَادةٍ لأنَّه يُمتَهنٌ في الوِسَادة ويُوطَأ عليه، بخلاف السِّتر وهذا حجَّةٌ.
          والدَُّرْنُوك: بضمِّ الدال وفتحها، ذكرهما عِيَاض.
          قال النَّوويُّ: والمشهور الأوَّل، والنُّون مضمومةٌ لا غير، ويقال: بالميم، وهو ضَرْبٌ مِن البُسط ذو خَمْلٍ، ويشبهُ فَرْوة البعير والأسد، وجمعُهُ: دَرَانِك. وقال ابن فارسٍ: الدُّرْنُوك مِن الثِّياب ذو خَمْلٍ.
          قال الخطَّابيُّ: أصلهُ ثِيَابٌ غِلاظٌ لها خَمْلٌ / ، وقد تُبسط مرَّةً فتُسمَّى بِسَاطاً، وتُعلَّق أخرى فتُسمَّى سِتراً.
          وفي «المحكم»: الدُّرْنُوك والدِّرْنِيك: ضَرْبٌ مِن الثِّياب له خَمْلٌ قَصِيرٌ كَخَمْلِ المَنَادِيل. والدُّرْنُوك والدِّرْنك: الطِّنْفَسة، وأمَّا قول الرَّاجِز يصفُ بعيراً:
كَأَنَّهُ مُجلَّلٌ دَرَانكا
          فقد يكون جمع: دُرْنُوك، وإنَّما يريد أنَّ عليه وَبَرَ عامين أو أعوامٍ، وأراد دَرَانِيكاً، فحذف الياء للضَّرورة، وقد يجوز أن يكون جمع الدِّرْنك التي هي الطِّنْفَسة.
          وفي «المغيث»: الدُّرْنُوك: البِسَاط، وقيل: هو كلُّ ثوبٍ له خَمْلٌ.