التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب نقش الخاتم

          ░50▒ بابُ نَقْشِ الخَاتَمِ.
          5872- ذكر فيه حديث أَنَسٍ ☺ أنَّ نبيَّ الله صلعم أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى رَهْطٍ أَوْ أُنَاسٍ مِنَ الأَعَاجِمِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لاَ يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلَّا عَلَيْهِ خَاتَمٌ، فَاتَّخَذَ النَّبِيُّ صلعم خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ نَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.
          فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَرِيقِ أَوْ بَصِيصِ الخَاتَمِ فِي إِصْبَعِ النَّبِيِّ صلعم أَوْ فِي كَفِّهِ.
          5873- وحديث ابن عُمَر ☺ اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ وَكَانَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ أبي بكْرٍ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ عُثْمَانَ، حَتَّى وَقَعَ فِي بِئْرِ أَرِيسَ، نَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.
          قد سلف قريباً الكلام على النَّقْش.
          وفي «الأوسط» للطَّبَرانيِّ مِن حديثِ ابن عُمَر: ((كان خَاتَمُ رسول الله صلعم في يد عُثْمَان ستَّ سنينَ، فلمَّا كثر عليه الكُتُب دفعَهُ إلى رجلٍ مِن الأنصار فأبى فلبِسَهُ عُثْمَان، فأتى قليبا لعُثْمَان فسقط فيه فلم يُوجد، / فاتَّخذ عُثْمَان خَاتَماً مِن وَرِقٍ ونقشُهُ مُحَمَّدٌ رسول الله)).
          وبانَ بما ذكرناه أنَّ الخَاتَم إنَّما اُتِّخذ ليُطبع به على الكُتُب حفظاً للأسرار أن تُنشر وسياسةً للتدبير أن تَنْخَرِم.
          وفيه: أنَّه لا بأس على الخَاتَم ذِكرُ الله، وقد كره ذلك ابن سِيرينَ وغيره.
          وهذا الباب حجَّةٌ عليه، وقد أجاز ابن المُسَيِّب أن يلبسَهُ ويَسْتَنْجِي به. وقيل لمالكٍ: إن كان في الخَاتَم ذِكْر الله أو يلبسُهُ في الشِّمال أيستنجي به؟ قال: أرجو أن يكون خفيفاً.
          هذه رواية ابن القاسم، وحكى ابن حَبِيبٍ عن مُطَرِّفٍ وابن الماجِشُون أنَّه لا يجوز ذلك وليَخْلَعْهُ ويَجْعَلْه في يمينِه. وهو قول ابن نافِعٍ وأكثر أصحاب مالكٍ مِن غير «الواضحة».
          فَرْعٌ: قال مالكٌ: لا خير أن يكون نقْشَ فصِّه تمثالٌ.
          وقد ذكر عبد الرَّزَّاق آثاراً بجواز اتِّخَاذ التماثيل في الخواتيم ليست بصحيحةٍ، منها ما رواه عن مَعْمَرٍ عن عبد الله بن مُحَمَّد بن عَقِيلٍ أنَّه أخرج خَاتَماً فيه تمثال أسَدٍ، وزعم أنَّ النَّبِيَّ صلعم كان يتختَّمُ به.
          وما رواه مَعْمَرٌ عن الجُعْفِيِّ أنَّ نقش خَاتَم ابن مَسْعُودٍ إمَّا شجرةٌ وإمَّا شيءٌ بين ذُبَابين، وابن عَقِيلٍ تركَهُ مالكٌ، والجُعْفِيُّ متروكٌ.
          وروى مَعْمَرٌ، عن قَتَادَة، عن أنسٍ وأبي موسى ☻ أنَّه كان نقشُ خَاتَمه كُرْكيٌّ له رأسان. وهذا إن كان صحيحاً فلا حُجَّة فيه لترك النَّاس العمل به ولنهيه ◙ عن الصُّور، ولا يجوز مخالفة النَّهي.
          فَصْلٌ: ومِن تراجمهِ على حديث أَنَسٍ ☺: باب اتِّخَاذ الخَاتَم ليختِمَ به الشيء أو ليكتب به إلى أهل الكِتاب وغيرهم.
          فائدة: رُوي عن عَلِيٍّ ☺ أنَّه كان له أربعةُ خواتِمَ يتختَّم بها: ياقوتٌ لنُلبهِ، نقشُه: لا إله إلَّا الله الملِكُ الحقُّ المبينُ؛ وفَيْرُوزَجٌ لِنَصْره، نقشه: اللهُ الملِكُ، مِن حديدٍ صِينيٍّ لقِوَّتهِ نقشُه: العزَّة لله وعَقِيقٌ لحِرْزه، نقشه: ما شاء الله لا قُوَّة إلَّا بالله. حديثٌ مُخْتَلَقٌ، رواتهُ مأمونون سوى أبي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بن أحمد بن سَعِيْدٍ الرَّازيِّ، فلا أعرفُ عَدَالته فكأنَّه هو واضعُهُ.