التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب افتراش الحرير

          ░27▒ (بَابُ افْتِرَاشِ الْحَرِيرِ
          وَقَالَ عُبَيْدةُ: هُوَ كَلُبْسِهِ).
          5837- ذكر فيه حديثَ ابنِ أبي نَجِيحٍ، وهو عبد الله بن يَسَارٍ: (عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ حُذَيْفَةَ ☺ قَالَ: نَهَانَا النَّبِيُّ صلعم أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ).
          هذا الباب ردٌّ على مَن أجاز افتراشَ الحرير والارْتِفَاق فيه، وهو قول عبد العزيز بن أبي سَلَمَةَ وابنِه عبد الملك، وروى وكيعٌ عن مِسْعَرٍ، عن راشدٍ مولى بني تميمٍ قال: رأيت في مجلس ابن عبَّاسٍ مِرْفَقَةَ حريرٍ. والجمهور على خِلافهِ، وحُجَّتُهم حديثُ الباب، وهو نصٌّ في المسألة لا يُغفَل عنه، ولو عَدِمنا هذا النَّصَّ لاستدللنا على أنَّ الافتراشَ والجلوسَ لباسٌ مِن حديثِ أنسٍ ☺ في الحصير الذي اسودَّ مِن طول ما لُبِس.
          وقد روى ابن وَهْبٍ عن ابنِ لَهِيعةَ عن أبي النَّضْرِ: أنَّ عُبَيْد الله بن عامرَ صَنَعَ صنيعًا فدعى النَّاسَ، وكان فيهم سَعْد بن أبي وَقَّاصٍ، فلمَّا أتى أمرَ بمجلسٍ مِن حريرٍ كان على سريره فنُزع، فلمَّا دخل قال له ابن عامِرِ: يا أبا إسحاقَ، إنه قد كان على السَّرير مجلسٌ مِن حريرٍ، فلمَّا سمعنا بك نَزَعْنَاهُ، قال سعْدٌ: لأَنْ أقعُدَ على جَمْرِ الغَضَا أحبُّ إليَّ مِن أنْ أَقْعُدَ على مجلسٍ مِن حريرٍ، وقد سلف طرفٌ منه في البُيوع.
          فَرْعٌ: في افتراشه للنِّساء عندنا خِلَافٌ، واختُلف في الصَّحيحِ، والأصحُّ: الحِلُّ.
          فَرْعٌ: قال الزَّاهدِيُّ مِن الحنفيَّةِ: لا يجوز استعمال اللِّحاف مِن الحرير، لأنَّه نوعُ لُبسٍ ولا يُكرَه الاستناد إلى الوِسَادةِ مِن الدِّيباج.
          فَرْعٌ: لا بأس بمُلَاءةِ حريرٍ توضعُ في مهْدِ الصَّبِيِّ لأنَّه ليس بلُبْسٍ، وكذا الكلَّة مِن الحرير للرِّجال لأنَّها كالبيت، ولُبس الحرير للدِّثَار لا يُكرَه عند أبي حنيفة، لأنَّه اعتبرَ حُرْمة استعمال الحرير إذا كان يتَّصِل ببدنهِ، وأبو يُوسُف اعتبر المعنى، يعني اللُّبسَ، قال: وهذا تنصيصٌ أنَّ عندَ أبي حنيفة لا يُكره لبس الحرير إذا لم يتَّصِل بجِلْدِه حتَّى إذا لَبِسَهُ فوق قميصٍ مِن غَزْلٍ أو نحوِه لا يُكره عنده، فكيف إذا لبسَه فوقَ قَبَاءٍ أو شيءٍ آخر محشُوٍّ، أو كانت جُبَّةً مِن حريرٍ وبِطَانتها ليست بحريرٍ، وقد لَبِسَها فوق قميص غزلي.
          قال الَّزاهدِيُّ: في هذا رُخْصةٌ عظيمةٌ في موضعٍ عمَّ فيه البلوى، ولكن طلبتُ هذا القول عن أبي حنيفةَ في كثيرٍ مِن الكُتب فلم أجد سوى هذا، ومِن النَّاس مَن يقول: إنَّما يُكره إذا كان الحرير يمسُّ الجِلْدَ وما لا فلا.
          وعن ابن عبَّاسٍ ☻: أنَّه كان عليه جُبَّةٌ مِن حريرٍ، فقيل له في ذلك، فقال: ما نرى إلى ما يلي الجسد، وكان تحته ثوبٌ مِن قطن، إلَّا أن الصَّحيحَ ما ذكرناه أنَّ الكلَّ حرامٌ.
          وفي «شرح الجامع الصغير» للبَزدويِّ: ومِن النَّاس مَن أباحَ لبسَ الحرير والدِّيباج للرجال، ومنهم مَن قالَ: هو حرامٌ على النِّسَاء، وعامَّةُ الفقهاء على الفرْقِ؛ حِلُّه للنِّساء دون الرِّجَال، فإنْ لَبِس منطقةً فيها مِن الدِّيباج أقلُّ مِن أربعة أصابعَ ولكن جعلها طَاقَين، كلُّ طاقٍ منها ثلاثة أصابعَ فلا يجوز.