التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الحرير للنساء

          ░30▒ بابُ لُبْسِ الحَرِيرِ للنِّسَاءِ.
          5840- ذكر فيه مِن حديثِ شُعْبَة عن عبد الملكِ بن مَيْسَرَةَ، عن زيْدِ بن وَهْبٍ، عن عليٍّ ☺ قال: كَسَانِي رَسُولُ اللهِ صلعم حُلَّةَ حَرِيرٍ سِيَرَاءَ، فَخَرَجْتُ فِيهَا فَرَأَيْتُ الغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَشَقَّقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي.
          5841- وحديث ابن عُمَر أَنَّ عُمَرَ ♦ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ تُبَاعُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ ابْتَعْتَهَا.. الحديث وسلف في العيدِ.
          5842- وحديث أَنَسٍ أنَّه رَأَى عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلعم بُرْدَ حَرِيرٍ سِيَرَاءَ.
          الشَّرح: قال الجيَّانيُّ: كذا إسناد الحديث الأوَّل عند رُواة الفَرَبْرِيِّ وغيرهم مِن رُواة البُخَارِيِّ إلَّا ابن السَّكَن، فإنَّ في روايته: <شُعْبَةُ، عَنْ عَبدِ المَلكِ عنِ النَّزَّال، عَنْ عَليٍّ> والأوَّل هو المحفوظ.
          وقد ذكره البُخَارِيُّ أيضاً في غير موضعٍ كما قُلناه وكذلك مُسْلمٌ وغيرهما، وكذلك هو عند ابن السَّكَن في غير هذا الموضعِ.
          رُوِّيْنا في «مُسند يَعقُوب بن شَيْبَةَ» أنَّه قال: هو حديثٌ ثابتٌ حسَنُ الإسناد، رواه نافِعٌ وسالِمٌ وابن سِيرينَ وعبد الله بن دِيْنَارٍ عن ابن عُمَر، وهذه الحُلَّة قد سلفَ أنَّها كانت لعُطَارِدٍ، وفي «مشكل الطَّحاويِّ»: كانت مع لَبِيد بن رَبِيعة.
          فَصْلٌ: والعِلْماء متَّفِقون أنَّ الحريرَ مباحٌ للنِّساء / إلَّا ما رُوي عن الحَسَنِ كما سلف، قال يُونُس بن عُبَيدٍ: كان الحَسَنُ يكره قليلَ الحرير وكثيره للرِّجَال والنِّساء حتَّى الأعلام في الثِّياب وأحاديث الباب خِلاف قوله، ولو كان الحرير لا يجوز للنِّساء ما جَهِل ذلك عليٌّ ولا شقَّ الحُلَّة بين نسائه ولا جاز لأمِّ كُلْثُومٍ بنتِ رسول الله صلعم لباسَهُ.
          وروى مَعْمَرٌ، عن الزُّهْرِيِّ، عن أنسٍ قال: ((رأيتُ على زينبَ بنتِ رسول الله صلعم بُرْدَةً سِيَراءَ مِن حَرِيرٍ))، و(سِيَراءَ): بكسر السِّين وفتح الياء بُرْد فيه خُطُوطٌ صُفْرٌ.
          وقال الأصْمَعِيُّ: السِّيَراء ثيابٌ فيها خُطُوطٌ مِن حَرِيرٍ ويُقال: مِن قزٍّ، وإنَّما يُقال سِيَراء لتسيرَ الخُطُوط فيها. وقال الزُّهْرِيُّ: السَّيْر المُضَلَّع بالقَزى، وعن الخليل مِثله.
          وهذا مذهبُ مَن لم يُجِز للرِّجَال لباس الثَّوب إذا خالطَهُ حَرِيرٌ أو كان منه فيه سَدىً أو لُحْمَةٌ، والآثار تدلُّ على أنَّ الحُلَّة مِن حَرِيرٍ مَحضٍ، وروى حَمَّاد بن زَيْدٍ عن أيُّوب عن نافِعٍ، عن ابن عُمَر ☻ قالَ عُمَر: يا رسول الله إنِّي مررتُ بِعُطَارِدٍ وَهُو يَعْرِض حُلَّة حَرِيرٍ للبيع فلو اشتريتها للجُمُعة والوَفْد، وذكر الحديث.
          وقال الزُّهْرِيُّ، عن سالِمٍ، عن أبيه: حُلَّةً مِن اسْتَبرَقَ وهو غليظُ الحرير، وعلى هذا تدلُّ الآثار أنَّها كانت مِن حَرِيرٍ مَحضٍ.
          وفي هذا الحديث، وحديث مُعَاوُيَة: نهى رسول الله صلعم عن ثياب الحرير. النَّهي عن لُبْسه مطلقاً للرِّجَال والنِّساء، ورُوي عن ابن الزُّبَير ويُؤيِّده حديث عُقْبَة بن عامِرٍ أنَّه صلعم كان منَعَ أهلَهُ الحِلْيَة والحرير، أخرجه ابن حِبَّانَ ويقول: ((إنْ كُنْتُنَّ تُحْبِبنَ حِلْيَةَ الجنَّة وحريرَها فلا تلبسنَها في الدُّنْيَا)).
          ومَن حملَ النَّهي على عُمُومه هو في القياس صحيحٌ، كما في الأواني، لكن النَّصَّ ورد بالتفرقة _كما أسلفناه_ وعند ذلك تقفُ الآراء.
          وحديث أَنَسٍ في الباب، قال الطَّحاويُّ: إن كان ذلك في زمن رسول الله صلعم ففيه ما يعارِضُ حديث عُقْبَة، وإن كان بعدَه وكان دليلاً على نسخهِ، وهذا عجيبٌ منه، فأمُّ كُلثومٍ توفِّيت سنة تسعٍ قطعاً وغسَّلَتها أمُّ عَطِيَّةَ، فلا وجه لقوله: ((وإنْ كانَ بعدَه))، ولعلَّه كان قبل بلوغ أنسٍ مبلغ الرِّجال وقبل الحِجَاب، وفي راوية ابن أبي شَيْبَة عن أنسٍ أيضاً ((أنَّه رأى على زينبَ بنتِ رسول الله صلعم قميصَ حريرٍ سِيَراء)).
          وروى ابن أبي حاتمٍ في «عِلله» مِن حديثِ بقيَّةَ عن عُبَيْدِ اللهِ عن نافِعٍ عن ابن عُمَر ☻ أنَّه ◙ لم يكن يرى بالقزِّ والحرير للنِّساء بأساً، قال أبو زُرْعةَ: هذا حديثٌ منكرٌ، قلت: تعرف له عِلَّةً؟ قال: لا.