التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قص الشارب

          ░63▒ بابُ قَصِّ الشَّاربِ.
          وَكَانَ ابن عُمَر ☻ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يُنْظَرَ إِلَى بَيَاضِ الجِلْدِ، وَيَأْخُذُ هَذَيْنِ: يَعْنِي بَيْنَ الشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ.
          5888- حَدَّثَنا المكِّيُّ بنُ إبراهيمَ، عن حَنْظَلةَ، عن نافِعٍ، قال أصحابنا، عن المكِّيِّ، عن ابن عُمَر ☻، عن النَّبِيِّ صلعم قال: (مِنَ الفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ).
          5889- حَدَّثَنا عليٌّ، حَدَّثَنا سُفْيَان قال: الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنا، عن سعيدِ بن المُسَيِّب، عن أبي هُرَيْرَةَ ☺ روايةً: (الفِطْرَةُ خَمْسٌ، أَوْ خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ: الخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ).
          الشرح: معنى قوله: (قَالَ أَصْحَابُنَا: عَنِ المَكِّيِّ) بعد تحديثِهِ عن المكِّيِّ، عن حَنْظَلةَ، عن نافِعٍ أنَّه رواه عنه عن ابن عُمَر موقوفاً على نافِعٍ، وأصحابُهُ وَصَلوه عنه، عن ابن عُمَر مرفوعاً كذا ظهرَ لي.
          (يُحْفِي): بضمِّ أوَّلهِ رُبَاعيٌّ، أي: يَسْتَقصِي في أخذهِ، قال الدَّاوُدِيُّ: أي يقصُّه كما في الحديث، وهو أن يُظهر حَرْف الشَّفة العليا وما قاربَهُ مِن أعلاه ويأخذ فاسدها فوق ذلك ويَنْزِعُ ما قاربَ الشَّفة وجانبي الفم ولا يَفعل مِن القصِّ إلَّا هذا.
          وقيل: الإِحْفَاء الحَلْق، وهو قول الكُوفيِّين، ودليل الأوَّل قوله: (قَصُّ الشَّارِبِ).
          قال: وقد يحتمِلُ الإحفاءُ الوجهَين، وإذا كان أحد الحديثَين مفسَّراً قضي به على المبَهم، وفي الحديث أنَّه قال في الخوارج: ((سِيْمَاهم التَّسْبِيد))، وهو حَلْقُ الشارب مِن أصله، واحتجَّ مالكٌ لهذا بأنَّ عُمَر ☺ كان إذا كَرَبَهُ أمرٌ فتلَ شارِبَهُ ونفَخَ.
          فلو كان الاستئصال لم يجِد ما يَفْتِل، وقيل: أطلق الشارع لأمَّتِه الوجهين بقوله: (أَحْفُوا) والقصُّ بقوله: (قَصُّ الشَّارِبِ). قال مالكٌ: حَلْق الشارب مُثْلَةٌ ويؤدَّب فاعله.
          فَصْلٌ: قوله: (خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ..) إلى آخره، قد سلف الكلام عليه، ورُوِّيْنا عن ابن عبَّاسٍ ☻ في قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} [البقرة:124] قال ابتلاه بالطَّهارة خمسٌ في الرأس، وخمسٌ في الجسد: السِّواك والمَضْمَضَة والاستنثار.
          رواها الدَّاوُدِيُّ: ((والاستنشاقُ وحَلْقُ الشارب))، وأبدله الدَّاوُدِيُّ بالقصِّ وفَرْق الرأس، وجعل الدَّاوُدِيُّ موضعَهُ: ((مسحَ الأذنين، وتقليمَ الأظفار، ونتْفَ الإبط، وحَلْقَ العَانة، والخِتَان، والاستنجاءَ عند الغائط والبول))، ورُوي موضع الفَرْق غَسْل البَرَاجم، وموضع الاستنجاء الاسْتِحْدَاد، وجاء فيه في مُسلمٍ وفي النَّتف والتقليم والقصِّ عن أنسٍ: ((وقَّت لنا أن لا نتركَ أكثر مِن أربعين يوماً، وذكر أنَّ السرعة به تثيرُ الشَّهوة، وتركهُ يَقْصُر منها)).
          فَصْلٌ: (الفِطرة): هنا المراد بها السُّنَّة.
          وعند الشَّافِعِيِّ: أنَّ الخِتَان فرضٌ لأنَّه شِعَار الدِّين كالكلمة وبه يتميَّزُ المسلم مِن الكافر، وقاسه مالكٌ _فإنَّه عنده سنَّةٌ_ على قَطْع السُرُّة، وتنازع فيه بأنَّ قطعها واجبٌ حفظا لخروج الطعام، ولأنَّ المقصود النَّظافة كقصِّ الظُّفُرِ.