التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب السراويل

          ░14▒ (بَابُ السَّرَاوِيلِ).
          5804- ذكر حديثَ ابن عبَّاسٍ ☻ عن النَّبِيِّ صلعم قال: (مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيْلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَينِ فَلْيَلْبِسْ خُفَّيْنِ).
          5805- وحديثَ ابن عُمرَ السالف في الباب قبلَه، ثمَّ ترجم:
          ░15▒ (بَابُ الْعَمَائِمِ).
          5806- و ذكر حديثَ ابن عُمرَ المذكور أيضًا.
          (السَّرَاوِيل) غير مصروفٍ، يُذكَّر ويُؤنَّث، قال سِيْبَوَيه: سَرَاوِيلُ واحدةٌ، وهي أعجميَّةٌ أُعربت فأَشبهت في كلامِهم ما لا ينصرف في معرفةٍ ولا نكرةٍ، فهي مصروفةٌ في النكرة، وإن سمَّيتَ بها رَجلًا لم تصرِفْها، وكذلك إن حَقَّرتَها اسمَ رجلٍ لأنَّها مؤنَّثٌ على أكثرَ مِن ثلاثة أحرفٍ مثل عَنَاقٍ، ومِن النحويِّين مَن لا يصرفه أيضًا في النكرة، ويزعم أنَّه جمع سِرْوال وسِرْوَالة، قال في «الصِّحاح»: والعمل على القول الأوَّل، والثاني أقوى، والْوَرْسُ نبتٌ باليمن يُصبغ به، أصفرُ.
          فصْلٌ: ولبس السَّرَاويل مِن الأمر القديم كما سلف، وروى أحمدُ مِن حديثِ أبي أُمَامَة: قلنا: يا رَسُول اللهِ، إنَّ أهلَ الكتاب يَتَسَرْوَلُون ولا يَتَّزِرون، فقال ◙: ((تَسَرْوَلُوا واتَّزِروا وخالِفُوا أهلَ الكِتَاب))، وصح أنَّه صلعم اشتراه، والظَّاهرُ أنَّه كان قبل الهِجرة ولم يبلغنا أنَّه تَسَرْوَلَ بالمدينة.
          وفي «صحيح ابن حبَّان» مِن حديثِ سُويدِ بن قَيْسٍ قال: جَلَبتُ أنا ومَخْرَفَةُ العَبْديُّ بَزًّا مِن هَجَر، فأتى رَسُولُ اللهِ صلعم فَسَاوَمَنا بِسَرَاوِيلَ وعنده وزَّانٌ يَزِنُ بالأجْرِ، فقال صلعم: ((زِنْ وأَرْجِحْ))، قال ابن حبَّان: وأراد به مِن مالِه فيقع ثمن السَّرَاوِيل راجحًا. وأخرجه أحمد أيضًا مِن حديثِ مالك بن عُمَيرٍ الأَسَدِيِّ قال: قدمت قبلَ أن يُهَاجر رَسُول اللهِ صلعم فاشترى مني سَرَاوِيلَ فأَرْجَح لي. وفي «الطَّبَرَانِيِّ الكبير» مِن حديثِ أبي هُرَيْرَةَ في شرائه صلعم وقال: ((زِنْ وأَرْجِح))، قلت: يا رَسُول اللهِ، وإنَّك لتلبس السَّرَاوِيل؟ قال: ((نعم، في السَّفرِ والحَضَرِ واللَّيلِ والنَّهَارِ، فإنِّي أُمرت بالتَّستُّرِ فلَمْ أجدْ شيئًا أسترَ منه))، ثُمَّ قالَ: تفرَّد به الإفريقيُّ.
          وفيه أيضًا مِن حديثِ أبي رُهْمٍ السَّمَعِيِّ مرفوعًا: ((إنَّ مِن لِبسَةِ الأنبياءِ القميصَ قبل السَّرَاوِيل، وإنَّ ممَّا يُستَجابُ به عند الدَّعاءُ العُطَاسُ))، وفي إسناده مُعَاويَة بن يحيى الأَطْرَابُلسِيُّ، ضعَّفُوه، وفي «معرفة الصَّحابة» لأبي نُعَيْمٍ مِن حديثِ مالك بن العَتَاهِية مرفوعًا: ((إنَّ الأرضَ لتستغفِر للمُصَلِّي في السَّرَاوِيل))، فيه ابن لَهِيعةَ عن يزيدَ بن أبي حبيبٍ.
          و(الْعَمَائِمَ) تِيْجَان العرب وهي زِيُّهم؛ وقد رُوي أنَّ الملائكةَ الذين نصروا رَسُولَ اللهِ صلعم يومَ بدر كانوا بِعَمَائم صُفْرٍ، وقال مالكٌ: العِمَّةُ والاحتباءُ والانتعال مِن عَمَل العرب وليس ذلك في العجم، وكانت العِمَّةُ في أوَّل الإسلام لم تزلْ حتَّى كان هؤلاء القوم. قال ابنُ وَهْبٍ: وحَدَّثَنِي مالكٌ أنَّه لم يرَ أحدًا مِن أهل الفضل مثل يحيى بن سعيدٍ ورَبِيْعَة وابن هُرْمُزَ / إلَّا وَهُم يَعْتَمُّون، ولقد كنت في مجلس رَبِيْعَة وفيهم أحدٌ وثلاثون رجلًا ما منهم رجلٌ إلَّا وهو مُعْتَمٌّ وأنا فيهم، ولقد كنتُ أراهم يَعْتَمُّون في العِشَاء والصُّبحِ، وكان رَبِيْعَة لا يدعُ العَمَائم حتَّى تطلع الثُّريَّا، وكان يقول: إنِّي لأجد العِمَّة تزيدُ في العقل.
          قال: وسُئل مالكٌ عن الذي يعتمُّ بالعِمَامة ولا يجعلُها من تحت حلْقِهِ، فأنكرها وقال: ذلك مِن عَمَلِ النبط وليست مِن عمَّة النَّاس إلَّا أن تكون قصيرةً لا تبلغُ أو يفعل ذلك في بيته أو في مرضه فلا بأسَ به، قيل له: فتُرخى بين الكَتِفين؟ قال: لم أرَ أحدًا ممَّن أدركتُ يُرْخِي بين كَتِفيهِ إلَّا عامرَ بن عبد الله بن الزُّبَيْر، وليس ذلك بحرامٍ، ولكن يُرْسِلها بين يديه وهو أجملُ، وقال عامِرٌ: رُؤي جبريل في صورة دِحْيَة الكَلْبيِّ وقد سَدَلَ عِمَامتُهُ بين كَتِفيهِ. وفي «سُنن أبي داود» مِن حديثِ جعفر بن عَمْرو بن حُرَيثٍ، وفي حديثٍ عن أبيه قال: رأيتُ النَّبِيَّ صلعم على المنبَرِ وعليه عِمَامةٌ سَوداءُ قد أَرْخى طَرَفها بين كَتِفيهِ. وفي التِّرْمِذِيٍّ مِن حديث نافع عن ابن عُمرَ ☻ قال: كان النَّبِيُّ صلعم إذا اعتمَّ سَدَلَ عِمَامته بين كتفيه، قال نافِعٌ: وكان ابن عُمرَ يفعله، قال عُبَيْد الله: ورأيت القاسِمَ وسالِمًا يفعلان ذلك، قال التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غريبٌ.
          وفي «الجِهَاد» لابن أبي عاصِمٍ: حدَّثنا أبو مُوسَى، حدَّثنا عُثْمَان بن عُمرَ، عن الزُّبَيْر بن حوار، عن رَجُلٍ مِن الأنصار قال: جاء رجلٌ إلى ابن عُمرَ ☻ فقال: يا أبا عبد الرَّحْمَن، العِمَامةُ سنَّةٌ؟ فقال: نعم، قالَ رَسُولُ اللهِ صلعم لعبد الرَّحْمَن بن عوفٍ: ((اذهبْ فاسْدِلْ عليكَ ثيابَكَ والبِسْ سِلاحَكَ))، ففَعَلَ ثمَّ أتى رَسُولَ اللهِ صلعم فقبضَ ما سَدَلَ بنفسه ثمَّ عمَّمَهُ، فَسَدلَ مِن بين يديه ومِن خَلْفه.
          ولأبي داود مِن حديثِ شيخٍ مِن أهل المدينة: قال عبد الرَّحْمَن بن عوفٍ: عمَّمَني رَسُول اللهِ صلعم فَسَدَلها بين يديَّ وخَلْفِي. ولابن أبي شَيْبَة مِن حديثِ ابن أبي مَريمَ عن رِشْدِين، عن عَقِيلٍ، عن ابن شِهَابٍ، عن عُرْوَة، عن عائِشَة ♦: أنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم عمَّمَ عبدَ الرَّحْمَن بن عوفٍ بِعِمَامةٍ سوداءَ مِن قُطْنٍ، وأفضلَ له بين من يديه مثل هذه. ومِن حديثِ شَهْرِ بن حَوْشَبٍ، عن عائِشَة ♦ قالت: رأيتُ جبريلَ أتى رَسُولَ اللهِ صلعم وعليه عِمَامةٌ حَرَقانِيَّة قد سَدَلَها بينَ كَتِفيهِ. ومِن حديثِ المُسَيِّب بن واضِحٍ، حدَّثنا عبد الله بن نافِعٍ عن ابن جُرَيجٍ عن نافِعٍ عن عبد الله قال: عمَّمَ رَسُولُ اللهِ صلعم ابنَ عوفٍ بِعِمَامةٍ سَوْداءَ كَرَابِيسَ وأرخاها مِن خَلْفه قَدْرَ أربعِ أصابِعَ، وقال: ((هَكَذَا فَاعْتَمَّ فَإِنَّهُ أَجْمَلُ)). قال أبو حاتِمٍ في «علله»: ابن جُرَيجٍ لم يَسمع منه ابن نافع شيئًا، والحديث باطلٌ.
          ومِن حديثِ مُوسَى بن عُبَيْدة، عن عبد الله بن دِينارٍ، عن ابن عُمرَ عندَ ابن أبي عاصِمٍ: أنَّ رَسُول اللهِ صلعم دخل مكَّةَ يومَ الفتحِ وعليه عِمَامةٌ سَوداءُ. ومِن حديثِ جابِرٍ: وعليه عِمَامةٌ سوداءُ. ومِن حديثِ أشعثَ بن سعيدٍ: أخبرني عبد الله بن بُسْرٍ الحُبْرَانيُّ، عن أبي راشد الحُبْرانيِّ: سمعتُ عليًّا قال: عمَّمَني رَسُولُ اللهِ صلعم يومَ خَيْبرَ بِعِمامةٍ سوداءَ، سَدَل طَرفَها على مَنْكَبِي، وقال: ((إنَّ اللهَ أمدَّني يومَ بدْرٍ ويومَ حُنَينٍ ملائكةً مُعْتَمِّين بهذه العِمَّةِ))، وقال: ((العِمَامةُ حَجْزٌ بين المسلمين والمشركين)). وفي حديث أبي عُبَيْدةَ الحِمْصِيِّ، عن عبد الله بن بُسْرٍ: بعث رَسُول اللهِ صلعم عليًّا يومَ خَيْبرَ فعمَّمَه بِعِمَامةٍ سوداءَ أرسلها مِن ورائه وعن مَنْكَبه اليُسرى.
          وفي «شمائل التِّرْمِذِيِّ» مِن حديثِ ابن عبَّاسٍ ☻ أنَّه ◙ خطَبَ النَّاسَ وعليه عِمَامةٌ دَسْمَاءُ. ولأبي داود عن رُكَانَةَ: قال ◙: ((فرْقُ ما بَينَنَا وبينَ المشركين العَمَائِمُ على القَلَانِسِ)).
          وفي «علل التِّرْمِذِيِّ» مِن حديثِ أبي المَلِيح، عن أبيه: قال رَسُول اللهِ صلعم: ((اعْتَمُّوا تَزْدَادُوا حِلْمًا))، قال: وسألت مُحَمَّدًا عنه فقال: عُبَيْد الله بن أبي حُمَيدٍ راويه عن أبي المَلِيح ضعيفٌ ذاهبُ الحديث، لا أروي عنه شيئًا.
          وذكر الكَلْبيُّ عن الشَّرْقيِّ بن القطامِيِّ: إنَّ أولَ مَن اعتمَّ مِن العرب عَدِيُّ بن نُمَارَةَ بن لَخْمِ بن عَدِيِّ بن الحارثِ بن مرَّة بن أُدَد بن زيد بن يَشْجُبَ بن عريب بن زيدِ بن كَهْلَان بن سَبَأ، فلُقِّب: عَمَمًا، قال الجَوَّانيُّ: كانوا قبل ذلك يلبسُون عَصَائِبَ المُلْك وتِيْجَانه.
          وفي «الكامل» للمبرِّد: لَمَّا طلَّق خالدُ بن يَزِيدَ بن مُعَاويَة آمنةَ بنت سَعِيد بن العاصي بن أُمَيَّة قال فيها:
فَتَاةٌ أَبُوها ذُو العصابةِ وابنُهُ                     أَخُوهَا فَمَا أكْفَاؤها بِكَثيِر
          وزعم الرُّشاطِيُّ أنَّ هذا قاله عَمْرو بن سعيدٍ حين خَطَبَها عبد الملك، وزعم بعضُهم أنَّ هذا اللَّقَب إنَّما لزمَه للسِّيادة، وذلك أنَّ العرب تقول: فلانٌ معتمٌّ، يريدون أنَّ كلَّ جِنَايةٍ يجنيها الجاني مِن قبيلته فهي مَعْصُوبةٌ برأسهِ. وقال المبرِّد: يعني بذي العَصابة أباها سَعِيد بن العاصي، وذلك أنَّ قومَه يذكرون أنَّه كان إذا اعتمَّ لم يعتمَّ قُرَشِيٌّ إعظامًا له، وينشدون:
أبو أُحَيْحَةَ مَن يَعْتَمَّ عِمَّتَهُ                     يُضرَبْ وإنْ كانَ ذا مالٍ وذا ولَدِ
          وذكر ابن دُرَيدٍ في «وِشَاحهِ» أنَّ ذا العصابة هو أبو أُحَيْحَة خالدُ بن سَعِيد بن العاصي، قال: ويُقال له: ذو العِمَامةِ أيضًا. وفي «قطب السُّرور» للرقيق: كان حربُ بن أُمَيَّة أبو أبي سُفْيَانَ بن حَرْبٍ له عِمَامةٌ سوداءُ، إذا لبسها لم يعتمَّ ذلك اليوم أحدٌ.
          فَرْعٌ: نصَّ الزَّاهدِيُّ مِن الحنفيَّة أنَّ لفَّ العمائم الطويلة ولُبس الثياب الواسعة حَسَنٌ في حقِّ الفقهاء الذين هم أعلامُ الهدى دون النَّاس.
          فائِدَةٌ في الأحاديث الموضوعة:
          ((صلاةٌ بِعِمَامةٍ خيرٌ مِن سبعين صلاةً بغير عِمَامةٍ))، ورُوي: ((مَن صلَّى وَجَبينُهُ مشدودٌ كان خيرًا ممَّن صلَّى سبعين صلاةً وجبينُه مكشوفٌ))، وهو مثلُه، وفي الطَّبَرَانِيِّ مِن حديثِ أبي حَمْزَة عن ابن عباس مرفوعًا: ((اعْتَمُّوا تَزْدَادُوا حلمًا))، ورواه أيضًا مِن حديثِ أبي المَلِيح عن أبيه، وقد سلف. ومِن حديثِ مالك بن مِغْوَلٍ، عن نافِعٍ، عن ابن عُمرَ مرفوعًا: ((عليكم بالعَمَائِمِ فإنَّها سِيْمَاءُ الملائكةِ، وأَرْخُوا لها خَلْفَ ظهورِكم))، وعن ابن عُمرَ مرفوعًا أنَّه كان يديرُ كَوْرَ العِمَامة على رأسه. وعنه مرفوعًا: كان يَسْدِلُ عِمَامتُهُ بين كتفيه.