التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب البرود والحبرة والشملة

          ░18▒ (بَابُ الْبُرُودِ وَالْحِبَرَةِ وَالشَّمْلَةِ. /
          وَقَالَ خَبَّابٌ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ).
          وقد سلف في الصَّلاة، ثُمَّ ذكر فيه أحاديث:
          5809- أحدها: حديث أنسٍ في جَبْذِ الأعرابيِّ بِرِدَائهِ، وقد سلف قريبًا [خ¦3149].
          5810- ثانيها: حديث سَهْلِ بن سعْدٍ: (جَاءَتِ امْرَأَةٌ...) وقد سلف أيضًا [خ¦2093].
          5811- ثالثها: حديث أبي هُرَيْرَةَ ☺: (يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي زُمْرَةٌ هِيَ سَبْعُونَ أَلْفًا تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ، فَقَامَ عُكَاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيُّ يَرْفَعُ نَمِرَةً عَلَيْهِ...) الحديث، وقد سلف قريبًا.
          5812- رابعها: حديث قَتَادَةَ: (عَنْ أَنَسٍ ☺ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَيُّ الثِّيَابِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم؟ قَالَ: الْحِبَرَةُ).
          5813- وفي لفظٍ: (كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ إِلَى النَّبِيِّ صلعم أَنْ يَلْبَسَهَا الْحِبَرَةَ).
          5814- خامسُها: حديث عائِشَة: أنَّه ◙ (حِينَ تُوُفِّيَ سُجِّيَ بِبُرْدٍ حِبَرَةٍ)، وقد سلف أيضًا.
          والبُرْدَةُ كِسَاءٌ أسودُ مُربَّع فيه صورٌ تلبسهُ الأعرابُ، والجمعُ بُرُدٌ، قاله الجَوْهَرِيُّ، قال: والبُرْدُ مِنَ الثياب والجمع بُرُودٌ. وقال الدَّاوُدِيُّ: البُرُود كالأَرْدِيَة والمَيَازِرِ، وبعضها أفضل مِن بعض، وقال ابن بطَّالٍ: النَّمِرةُ والبُرْدُ سواءٌ.
          وفيه تواضعُه ◙ في لُبسِه.
          و(الشَّمْلَة) كِسَاءٌ يُشْتَمل به، قاله الجَوْهَرِيُّ، قال ابن السِّكِّيت: يُقال: كم اشتريتُ شَمْلةً تَشْمُلُني، وقال الدَّاوُدِيُّ: هي البُرْدةُ، قال: وقوله: (مَنْسُوجٌ فِي حَاشِيَتِهَا) يقول: حَاشِيَتانِ ثمَّ تُشَقُّ مِن بُرْدٍ كبيرٍ فيُتَّخَذ مِئْزَرًا.
          و(الْحِبَرَة) بوزن عِنَبَةٍ: بُرْدٌ يمانٍ، قاله الجَوْهَرِيُّ، قال الدَّاوُدِيُّ: هي الخُضْر لأنَّها لباسُ أهلِ الجَنَّة، قال: وكذلك يُستحبُّ في الكفن، ولذلك سُجِّي رَسُول اللهِ صلعم بهما، والبياض خيرٌ منها، وفيه كُفِّن رَسُولُ اللهِ صلعم، وقيل: أحدُ أكفانِهِ حِبَرَةٌ، والأوَّل أكثر، وقال الهَرَوِيُّ: هي الْمَوْشِيَّةُ المُخطَّطَةُ.
          ومعنى (سُجِّيَ بِبُرْد حِبَرَةٍ): أي مُدَّ عليه، يُقال: سَجَّيْتُ الميِّتَ، إذا مددتُ عليه ثوبًا.
          وقال ابن بطَّالٍ: البُرُود هي بُرُود اليمن التي تُصنع مِن قُطْنٍ، وهي الحِبَراتُ يُشتمل بها، وهي كانت أشرف الثِّياب عندهم، أَلَا ترى أنَّه ◙ سُجِّي بها حين تُوفِّي ولو كان أفضلَ مِن البُرُود شيءٌ لسُجِّيَ به.
          وفيه جواز لباس رفيعِ الثِّياب للصَّالحين، وذلك داخلٌ في معنى قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ...} الآية [الأعراف:32].
          وفي حديث أنسٍ ما جُبل عليه الشَّارعُ مِن شريفِ الأخلاق وعظيمِ الصَّدر على جفاءِ الجُهَّال والصَّفْح عنهم والدَّفْعِ بالتي هي أحسنُ، أَلَا ترى أنَّه ضَحِك حين جَبَذَه الأعرابيُّ ثُمَّ أمر له بعطاءٍ ولم يُؤاخِذْه.
          وفي حديثِ سَهْلٍ: كرمُ الشارع وإيثارُه على نفسِه، وإن كان في حالِ حاجةٍ آخذًا بـ{يُؤْثِرُونَ على أَنْفُسِهِمْ...} الآية [الحشر:9]، وفيه أنَّه ينبغي التبرُّك بثيابِ الصَّالحين ويُتوسَّل بها إلى الله تعالى في الحياة والممات، وفيه جوازُ أخذِ الهديَّةِ للرجل الكبير ممَّن هو دونه إذا عَلِم طِيبَ ما عنده، وفيه جواز كونه مِن سؤال الإمام والخليفة ما عليه مِن ثيابه، وسلف معنى قوله: (سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ).