التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: لا يمشي في نعل واحد

          ░40▒ بابُ لَا يَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ.
          5856- ذكر فيه حديث أبي هُرَيْرَةَ ☺ أنَّه ◙ قال: (لاَ يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا أَوْ لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا).
          النَّعل: الحِذَاء مؤنَّثةٌ، يُقال: نَعَلْت وانْتَعَلت: إذا لبستُ النَّعل، ونهيه عن المشي في نَعْلٍ وَاحِدَةٍ لأنَّه معلومٌ أنَّ المشي قد يشقُّ على هذه الحال؛ لأنَّ رفْع إحدى الرِّجْلين مِن الماشي على حَفَاءٍ إنَّما يكون مع التوقِّي لأذى يُصيبه، ويكون وضعه الأخرى على خِلاف ذلك مِن الاعتماد والوضع لها مِن غير محاشاةٍ وَتَقيَّةٍ، فيختلف مِن أجل ذلك مشيهُ ويحتاج لذلك أن ينقل مِن سَجيَّةِ المشي المعتاد، فلا يأمَنُ مع ذلك مِن الغُبَار مع سَمَاجتِه في الشكل وَقُبح المنظر، إذ يتَّقي في مشيته كالأعرج، قاله الخطَّابيُّ. وقيل: لأنَّه مأمورٌ بالعَدْل بين جوارحه وهو مِن باب المُثْلة. وعبارة الأبْهَرِيِّ: نهى عنه لأنَّه يُنسبُ إلى اختلال الرأي وضَعْف المَيز.
          وقال الدَّاوُدِيُّ: ويُذكر عن عائِشَة ♦ أنَّها كانت تخالِفُ هذا، فإن ثبت عنها فلم يَبلغها. وروى وَكِيعٌ، عن سُفْيَان، عن عبد الله بن دِيْنَارٍ قال: انقطع شِسْع نعْل ابن عُمَر فمشى أذرعُاً في نعلٍ واحدةٍ.
          قلت: يردُّه ما يأتي، قال في «المعونة»: ويجوز ذلك في المشي الخفيف إذا كان هناك عُذْرٌ، وهو أن يمشي في إحداهما متشاغلاً لإصلاح الأخرى، وإن كان الاختيار أن يَقف إلى الفراغِ منها.
          قال الخطَّابيُّ: ويدخل في النَّهي عن ذلك كلُّ لباسٍ شفعٍ كالخُفَّينِ، ولبس الرِّداء على المَنْكَبَين لا يُدخل الرِّداء على أحد الشِّقين ويخلِّي الأخرى، وهو فِعْل العوامِّ، وأبدعَ العوامُّ في آخر الزَّمان لُبْس الخواتيم في اليدين، وليس ذلك مِن جُملةِ هذا الباب.
          قلت: في ابن أبي شَيْبَة: ((ولا خُفٍّ واحدةٍ))، وفي لفظٍ: ((إذا انقطعَ شِسْع أحدِكم فلا يمشِ في الأخرى حتَّى يُصْلِحها)).
          وكذا قال الطَّحاويُّ في «مشكله»: النَّهي فيه صحيحٌ بيِّنٌ لأنَّ مَن لبس نعلاً واحداً أو خُفَّاً واحداً كان ذلك عند النَّاس سُخريةً، لأنَّه ممَّا ليس يُستحسنُ مِن لباسِ النَّاس، فمثلُ هذا لو لم يكن فيه نهيٌ لوجب أن يُنهى عنه.
          فَصْلٌ: رُوِّيْنا في «الجَعْديَّات»: أخبرنا زُهَيرٌ عن أبي الزُّبَير، عن جابرٍ ☺ قال رسول الله صلعم: ((إذا انقطع شِسْع أحدكم فلا يمشي في نعلٍ واحدٍ حتَّى يُصْلِح شِسْعَه، ولا يمشي في الخُفِّ الواحد)).
          وأمَّا ما رواه ابن شَاهِينٍ في «ناسخه» مِن حديثِ جُبَارَةَ بنِ المُغَلِّسِ حَدَّثَنا مَنْدَلٌ _يعني: ابن عليٍّ_ عن ليثٍ، عن نافِعٍ، عن ابن عُمَر ☻ قال: ((ربَّما انقطع شِسْع نَعْل رسول الله صلعم فيمشي في نعلٍ واحدةٍ حتَّى يُصْلِحها أو تُصْلَح له))، فواهٍ لا يُعَارضه.
          وفي «عِلل التِّرْمِذِيِّ» مِن حديثِ ليثٍ، عن عبد الرَّحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائِشَة ♦ قالت: ((ربَّما مشى النَّبِيُّ صلعم في نعلٍ واحدةٍ)). وروى ابن عُلَيَّةَ والثَّوْرِيُّ عن عبد الرَّحمن عن أبيه عنها أنَّها مَشَت في خُفٍّ واحدٍ. قال التِّرْمِذِيُّ: سألت مُحَمَّداً عن هذا الحديث فقال: الصَّحيح عن عائِشَة موقوفٌ.
          وروى ابن أبي شَيْبَةَ، عن ابن إدريسَ، عن ليثٍ عن نافِعٍ أنَّ ابن عُمَر ☻ كان لا يرى بأساً أن يمشي في نعلٍ واحدةٍ إذا انقطع شِسْعُه ما بينه وبين أن يُصلَح.
          قال: وحَدَّثَنا ابن عُيَيْنَة، عن عبد الرَّحمن بن القاسِمِ، عن أبيه، عن عائِشَة ♦ أنَّها كانت تمشي في خُفٍّ واحدٍ، وتقول: لأخالفنَّ أبا هُرَيْرَةَ.
          ومِن حديثِ رجلٍ مِن مُزَينةَ: رأيتُ عليَّاً ☺ يمشي في نعلٍ واحدةٍ بالمدائن، وعن زيد بن مُحَمَّدٍ أنَّه رأى سالماً يمشي في نعلٍ واحدةٍ.
          فائدة: الشِّسْع _بكسر الشين المعجمة ثمَّ مهملةٍ ساكنةٍ ثمَّ عينٍ مهملةٍ_: أحد سُيُور النَّعل الذي يدخل بين الأصبعين، ويدخلُ طَرَفُه في الثَّقب الذي في صَدْر النَّعل المشدود في الزِّمَام، والزِّمَام هو السَّيْر الذي يُعْقد فيه الشِّسْع. قال عِيَاضٌ: وجمعه شُسُوع.