التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من جر إزاره من غير خيلاء

          ░2▒ (بَابُ مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ مِنْ غَيْرِ خُيَلاءَ).
          5784- ذكر فيه حديثَ ابنِ عُمرَ ☻: أنَّ رَسُول اللهِ صلعم قَالَ: (مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ☺: إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ إِزَارِي يَسْتَرْخِي إلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم: لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلَاءَ).
          5785- وحديثَ أبي بَكْرةَ ☺ قال: (خَسَفَتِ الشَّمْسُ وَنَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلعم، فَقَامَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ مُسْتَعْجِلًا حتَّى أَتَى المَسْجِدَ وَثَابَ النَّاسُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَجُلِّيَ عَنْهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، وَقَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا، وَادْعُوا اللهَ حتَّى يَكْشِفَهَا).
          الشَّرح: فيه بيانٌ أنَّ مَن سقطَ ثوبه بغير قصدِه وفِعلِه وجرَّه ولم يقصِدْ به خُيَلاءَ، فإنَّه لا حرجَ عليه في ذلك، عملًا بقوله لأبي بَكْرٍ: (لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلاَءَ) أَلَا ترى أنَّه ◙ جرَّ ثوبَهُ حين استعجل إلى صلاة الخُسُوف، وهو مبيِّنٌ لأمَّته بقوله وفعله، وقد كان ابن عُمرَ ☺ يكرهُ أن يَجُرَّ الرجلُ ثوبَه على كُلِّ حالٍ، وهذا مِن شدائد ابن عُمرَ لأنَّه لم يخْفَ عليه فعْل أبي بَكْرٍ وهو الراوي لها، والحُجَّة في السنَّة لا فيما خالفَها.
          فصْلٌ: وفي قوله ◙ وفي قولِ ابن عبَّاسٍ السَّالِفَينِ أنَّه مباحٌ للرجلِ اللِّباسُ الحَسَنُ والجمالُ في جميع أمورِه إذا سَلِم قلبُه مِن التكبِّر به على مَن ليس له ذلك مِن النَّاس، وقد وردتِ الآثارُ بذلك:
          روى المُعَافى بنُ عِمْرَانَ، عن هِشَام بن حسَّانَ، عن ابنِ سِيْرينَ، عن سَوَادِ بن عَمْرٍو الأنْصَارِيِّ قال: يا رَسُولَ اللهِ، إنِّي رجلٌ حُبِّب إليَّ الجمالُ، وأُعطيتُ منه ما ترى حتَّى ما أحبُّ أن يَفُوقَني أحدٌ في شِرَاك نَعْلي، أفمِنَ الكِبْر ذاك؟ قال: ((لَا، ولكنَّ الكِبْرَ مَن بَطَرَ الحقَّ وغَمَصَ _أو: غَمَطَ_ النَّاس)). ومِن حديثِ عبد الله بن عُمرَ ☻: أنَّه ◙ قال للذي سأله حُبَّه لجمالِ ثيابهِ وشِرَاك نعلهِ: هل ذلك مِن الكِبْر؟ فقال ◙: ((لَا، وَلَكِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يحبُّ الجَمَالَ)).
          فإن قلتَ: فقد روى وكيعٌ، عن أَشْعَثَ السَّمَّان، عن أبي سَلَّامٍ الأَعْرَجِ، عن عليِّ بن أبي طالبٍ ☺ قال: إنَّ الرجلَ يُعْجِبُه شِرَاكُ نعلِه أن يكون أجودَ مِن شِرَاك صاحبِه، فيدخُلُ في قوله: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ} الآية [القصص:83]؟. قلتُ: أجاب الطَّبَرِيُّ أنَّ مَن أحبَّ ذلك ليتعظَّم به على مَن سواه مِن النَّاس ممَّن ليس مثلَه، فاختال به واستكبرَ فهو داخلٌ في عدد المستكبرين في الأرض بغير الحقِّ ولَقيَه صِفة أهله، وإنَّ أحبَّ ذلك سرورًا بجودتهِ وحُسنِه غيرَ مريدٍ به الاختيالَ والتكبُّرَ، فإنَّه بعيدُ المعنى ممَّن عَنَاه الله بقوله: {لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا} بل هو ممَّن أخبر الله أنَّه يحبُّ ذلك من فِعْله على ما ورد في حديث عبد الله بن عُمرَ، وذكر النَّسَائيُّ مِن حديثِ أبي الأحوص عن أبيه قال: كنتُ جالسًا عند رَسُولِ اللهِ صلعم رثَّ الثِّيابِ، فقال: ((أَلَكَ مَالٌ؟)) قلتُ: يا رَسُول اللهِ، مِن كُلِّ المالِ، فقال: ((إِذَا آتاكَ اللهُ مالًا فلْيُرَ أثرُه عليك)).
          فصْلٌ: الإِزَارُ يُذكَّر ويُؤنَّث، والإِزَارَةُ مثلُه، ومعنى (ثَابَ النَّاسُ) اجتمعوا وجاؤوا.
          فصْلٌ: روى ابن أبي شَيْبَةَ عن عبد الله بن أبي الهُذَيْلِ: أنَّ أبا بكْرٍ ☺ سألَ رَسُولَ اللهِ صلعم عن موضعِ الإِزَارِ فقال: ((مُسْتَدَقُّ السَّاقِ، لا خير فيما أَسْفَلَ مِن ذلك ولا خيرَ فيما فوقَ ذلك))، وروى أيضًا مِن حديثِ أبي مَكِينٍ عن خالدٍ أبي أُمَيَّة أنَّ عليًا اتَّزرَ فلَحِقَ إزارُه بركبتِه.