التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ثياب الخضر

          ░23▒ (بَابُ ثِيَابِ الْخُضْرِ).
          5825- ذكر فيه حديثَ عِكْرِمَة: (أَنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ الزَّبِيرِ...) الحديث بطوله، وسلف في الطِّلاق [خ¦5260].
          وموضع الحاجة منه قولُ عائِشَة ♦: (وَعَلَيْهَا خِمَارٌ أَخْضَرُ)، والثِّياب الخُضْرُ مِن لباسُ أهلِ الجَنَّة كما سلف، قال تعالى: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} [الكهف:31]، وكفى بهذا شرفًا لها وترغيبًا فيها، وقال هِشَام بن عُرْوَةَ: رأيتُ على عبد الله بن الزُّبَيْر مِطْرَفًا مِن خزٍّ أخضرَ ألبَسَتْهُ إيَّاه عائِشَة. وروى أبو داودَ حديثًا عن أبي رِمْثَةَ قال: انطلقتُ مع أبي إلى رَسُول اللهِ صلعم فرأيتُ عليه بُرْدَين أَخْضَرَين.
          وفيه: أنَّ للرجل ضَرْبَ زوجتهِ عند نُشوزها عليه وإن أثَّر ضَرْبُه في جِلْدها ولا حرج عليه في ذلك، أَلَا ترى أنَّ عائِشَة ♦ قالت لرَسُول اللهِ صلعم: ((لَجِلْدُها أشدُّ خُضْرةً مِن ثوبِها))، ولم يُنكر عليه، وفيه أنَّ للنِّساء أن يُطَالبْنَ أزواجَهنَّ عند الإمام بقلَّة الوطء، وأن يُعرِّضْنَ بذلك تعريضًا بيِّنًا كالصَّريح، ولا عار عليهنَّ في ذلك، وفيه أنَّ للزَّوج إذا ادُّعي عليه بذلك أن يُخبِرَ بخِلافٍ ويعرِبَ عن نفسه، أَلَا ترى قولَه: (يَا رَسُولَ الله صلعم، وَاللهِ إِنِّي لَأَنْفُضُهَا نَفْضَ الأَدِيمِ)، وهذه الكِناية مِن الفَصَاحة / العجيبة، وهي أبلغ في المعنى مِن الحقيقة. وفيه الحكمُ بالدليل لقوله في بنيهِ: (لَهُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنَ الغُرَابِ بِالْغُرَابِ) فاستدلَّ بشبههما له على كَذِبها ودعواها.
          فصْلٌ: (الزَّبِير) هو بفتح الزاي قُتل مع قومِه يومَ بني قُرَيْظَةَ كافرًا بعد أن سأل فيه عُثْمَان فترك، فقال: كيف يعيشُ المرء دون ولده؟ فذكر ذلك عُثْمَانُ لرَسُول اللهِ صلعم فقال: ((تركتُ ولدَه)) فأخبرَه، فقال: كيف يعيشُ المرءُ دون ماله؟ فذكره عُثْمَان لرَسُول اللهِ صلعم فقال: ((تَرَكْتُ مَالَهُ))، فأخبره فقال: ما فُعل بفلانٍ وفلانٍ؟ قيل: قُتلوا، قال: فعلتَ الذي إليك، لا خير لي في الحياة، فقُتل كافرًا.
          فصْلٌ: قولُها: (قَالَتْ: وَالله مَا لِي إِلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ إلَّا أنَّ مَا مَعَهُ لَيْس بِأَغْنَى عَنِّي مِنْ هَذِه، وَأَخَذَتْ هُدْبَةً مِنْ ثَوبِهَا) يحتمل أن تريد: ما ينقِمُ منِّي إلَّا أنَّه أعرضَ عنِّي، ويحتمل أن تريد ما أنقِم عليه ذلك، وإن كان جَلَدَني ما أنقِمُ عليه إلَّا إعراضَه عني، قاله الدَّاوُدِيُّ، وزاد: يحتمل تشبيهُها بالهُدْبَة انكساره وأنَّه لا يتحرَّكُ، أو أنَّه رقيقٌ فشبَّهَتُهُ بالهُدْبَة على التقليل والمبالغة، ويحتمل أن يكون رأت مِن رِفَاعةَ مِن الجِمَاع ما يُبَاعِد مِن فِعْله هذا فوصفته بهذا، ولهذا يُستحبُّ نِكَاح الأبكار، لأنَّها تظنُّ الرِّجَال سواءً، والثَّيِّبُ تعدَمُ مِن الضَّعيف ما عَلِمته مِن القَوِيِّ، وإن كان الثاني أقوى فقد تقول: ثَمَّ مَن هو أقوى منه.
          فصْلٌ: وقوله: (أَنْفُضُهَا نَفْضَ الأَدِيمِ) فقد يكون بلغ جُهْدَه، وهو عندها قليلٌ.
          وقوله: (وَإِنْ كَانَ ذَلِكِ لَمْ تَحِلِّي لَهُ، أَوْ: لَمْ تَصْلُحِي لَهُ) كذا في الأُصُول، وادَّعى ابن التِّين أنَّ في سائر الأُمَّهاتِ <تَحِلِّينَ>، وصوابُه: تَحلِّي، وأخبرَها بذلك لعلَّها ترضى بالمُقام.
          وقوله: (بَنُوكَ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: نَعَمْ) عبَّر عن التَّثنية بالجمع، وذلك جائِزٌ، قال تعالى: {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص:21] وهما اثنانِ.
          وقوله: (لَهُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنَ الغُرَابِ بِالْغُرَابِ) فيه دليلٌ على الحكم بالقَافَةِ، وهو الدليل كما أسلفناه، وفيه أنَّه لم يقتصَّ لها في الضَّرْب، لقوله تعالى: {واضربوهنَّ} أي في شأنها، ولم يُذكر أنَّه قضى في الأعراض بشيءٍ، فلعلَّه عَلِم أنَّ الكاذِبَ منهما يرجِعُ عن قوله إلى الحقِّ.