التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب عذاب المصورين يوم القيامة

          ░89▒ بَابُ عَذَابِ المُصَوِّرِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ.
          5950- ذكر فيه حديث الأعمشِ، عن مُسْلمٍ، قَالَ: (كُنَّا مَعَ مَسْرُوقٍ فِي دَارِ يَسَارِ بن نُمَيْرٍ، فَرَأَى فِي صُفَّتِهِ تَمَاثِيلَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَقُولُ: إِنَّ أَشَدَّ النَّاس عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ).
          5951- وحديثُ ابن عُمَر: (☻ أنَّ رسول الله صلعم قال: إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ).
          وقدْ سلفا.
          والصُّفَّة _بضمِّ الصاد_ الدَّار والسَّرح، واحدة الصُّفَف، وهي التي تكون بين يدي البيوت.
          فإن قلت: هل يدخل في الحديث مَن صَوَّرها وهو لله موحِّدٌ ولرسوله مصدِّقٌ؟ قلت: لا، وإنَّما قصد به المُضَاهِي لخَلْقِ الله تعالى كما وصَفَهُ في حديث عائِشَة بقوله: ((الَّذِينَ يُضَاهُونَ خَلْقَ اللَّهِ)) والمتكلِّفُ مِن ذلك مُضَاهاةَ ما صوَّره ربُّه في خَلْقهِ وأعظم جُرْماً مِن فِرْعونَ وآله. قال تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] لأنَّ فِرْعَونُ كان كُفره بقوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:240] مِن غير ادِّعاءٍ منه أنَّه يخلُقُ، ولا مَحَالة منه أنَّه يُنشِئ خَلْقاً يكون كَخَلْقه ╡شبيهاً ونظيراً، والمصوِّر بتصويره ذلك منطوٍ على تمثيلهِ نفسَه بخالقهِ، فلا خَلْق أعظم كُفراً منه فهو بذلك أشدُّهم عذاباً وأعظمهم عِقاباً.
          فأمَّا مَن صوَّر صُورةً غير مُضَاهاةِ ما خلقَ ربُّه _وإن كان يفعلُهُ مخطئاً_ فغير داخلٍ في معنى مَن ضاهى ربَّه بتصويره.
          فإن قلت: ما الوجه الذي جعلته به مخطئاً إذ لم يكن بتصويره لربِّه مُضَاهياً؟ قيل: لاتَّهامه نفسَهُ عند مَن عايَنَ تصويره أنَّه ممَّن قصدَ بذلك المضاهاة لربِّه إذ كان الفعل الذي هو دليلٌ على المضاهاة منه ظاهراً، والاعتقاد الذي هو خِلافُ اعتقادِ المُضَاهِي باطنٌ لا يَصِل إلى عِلْمه راؤوه.
          وقد روى الأعمش، عن عمَّار بن عُمَيرٍ قال: كنتُ جالساً عند رجلٍ مِن أصحاب عبد الله بن مَسْعُودٍ فمثلَّتُ في الأرض مِثَالِ عُصْفُورٍ فضربَ يدي.
          ومعنى الحديث عند ابن عبَّاسٍ فيما له رُوحٌ. وقيل: عامٌّ.
          واحتجَّ قائله بقوله في الحديث: ((فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً))، وهذا أشدُّ ما رُوي في هذا الباب.