التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب لبس القميص وقول الله تعالى حكاية عن يوسف

          ░8▒ (بَابُ لُبْسِ القَمِيصِ.
          وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ يُوسُف: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا} [يُوسُف:93]).
          5794- ذكر فيه حديثَ ابن عُمرَ ☻: (أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قَالَ: لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ...) الحديث، وقد سلف / [خ¦1842].
          5795- وحديثَ جابرِ بن عبد الله ☻ قال: (أَتَى النَّبِيُّ صلعم عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ قَبْرَهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ وَوُضِعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ).
          5796- وحديثَ نافعٍ: (عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ جَاءَ ابْنُهُ...) الحديثَ، وسلفا في الجنائز [خ¦1270] [خ¦1269].
          وأخرج حديثَ جابرٍ هنا عن عَبْدَانَ عبدِ الله بن عُثْمَانَ، وفي الجهاد عن عبد الله بن مُحَمَّدٍ، وفي الجنائز عن مالكِ بن إسماعيلَ، كلُّهم عن ابن عُيَيْنَة عن عَمْرٍو عن جابرٍ، وأخرجهُ مُسْلمٌ في التوبةِ عن زُهَيرٍ وأبي بَكْرٍ وأحمد بن عَبْدَةَ كلُّهم عن ابنِ عُيَيْنَة.
          قلتُ: جاء ذِكْرُ القَمِيص في عِدَّة أحاديثَ أُخرَ: منها حديثُ عائِشَة ♦ السالف في الجنائز [خ¦1264]: كُفِّن في ثلاثةِ أثوابٍ ليسَ فيها قميصٌ ولا عِمَامةٌ. ومنها حديثُ أمِّ سَلَمَةَ ♦ عند التِّرْمِذِيِّ: كان أحبَّ الثِّياب إلى رَسُول اللهِ صلعم القميصُ. ثُمَّ قالَ: حَسَنٌ غريبٌ إنَّما نعرفُه مِن حديثِ عبد المؤمن بن خالدٍ عن عبد الله بن بُرَيْدَة عنها، وروى بعضُهم هذا الحديثَ عن أبي تُمَيْلَةَ عن عبد المؤمن بن خالدٍ عن عبد الله بن بُرَيْدَة عن أمِّه عنها... وسمعتُ مُحَمَّد بن إسماعيلَ يقول: حديثُ ابن بُرَيْدَة عن أمِّه عن أمِّ سَلَمَةَ أصحُّ. قلتُ: ومِن هذا الوجه أخرجَه أبو داودَ عن زِيَاد بن أيُّوبَ عن أبي تُمَيْلَةَ.
          ومنها حديث أسماءَ بنت يَزِيدَ بن السَّكَن قالت: كان كُمُّ قَمِيص رسولِ اللهِ صلعم إلى الرُّسْغِ. أخرجه أيضًا التِّرْمِذِيُّ، وقال: حَسَنٌ غريبٌ.
          ومنها حديثُ أبي هُرَيْرَةَ ☺: كان ◙ إذا لَبِس قميصًا بدأَ بمَيَامِنِه، أخرجه أيضًا، ثُمَّ قالَ: رواه غير واحدٍ عن شُعْبَة، ولم يَرْفَعه، وإنَّما رفَعَهُ عبدُ الصَّمد بن عبد الوَارِثِ عن شُعْبَةَ. ومِن هذا الوجه أخرجه ابن حبَّان في «صحيحه».
          ومنها حديث أبي سَعِيدٍ: كان ◙ إذا استجدَّ ثوبًا سمَّاه باسمِه: عِمَامةً أو قَمِيصًا أو رداءً... الحديث أخرجه أيضًا، وذكر أبو داودَ أنَّ حمَّاد بن سَلَمَةَ وعبد الوهَّاب أرسلاه، وفيما ذكرناه ردٌّ على قول ابنِ العَرَبِيِّ في «سراجه»: ما سمعتُ للقميص ذِكرًا صحيحًا إلَّا في الآية السالفة وحديثِ ابن أُبَيٍ وتكفينه في قميصه، ولم أرَ لهما ثالثًا فيما يتعلَّق برَسُول اللهِ صلعم في خاصَّته صحيحًا.
          وقال ابنُ بطَّالٍ: فيه أنَّ لُبس القميص مِن الأمر القديم، وكذا كلُّ ما ذُكر في حديث ابن عُمرَ مِن السَّرَاويل والبَرَانِس وغيرهما.
          فصْلٌ: قولُه في المحرِم في حديث ابن عُمرَ: (لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ مَا هُوَ أَسْفَلُ مِنَ الكَعْبَيْنِ)، قال ابن حَبِيبٍ: كان هذا في بَدْءِ الإسلام والنَّعالُ قليلةٌ، فأمَّا الآن فلا يَلْبَس الخُفَّين وإن قطَعَهما أَسْفَلَ مِن الكَعْبين، وقال غيره: ظاهرُ قولِ مالكٍ خِلافُ ذلك.
          فصْلٌ: قال الدَّاوُدِيُّ: في حديث أُبيٍّ هذا خِلافُ حديثِ أنسٍ، وأرى حديثَ أنسٍ هو المحفوظ لأنَّه قال هنا: أليس قد نهاكَ اللهُ أن تُصلِّيَ على المنافقين؟ وفي آخره: فنزلت: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة:84] جعل النَّهيَ بعد قوله: أليس قد نهاك. هذا هو المحفوظ؛ وإنَّما أُنزل بعد التخيير: {سَوَاءٌ عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ...} الآية [المنافقون:6]، وفي حديث ابنِ أُبيٍّ نزلت هذه في حياته، والصَّحيح ما رواه أنسٌ، وإنَّما فعل ذلك رجاءَ التخفيف عنه.