التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب لبس القسي

          ░28▒ (بَابُ لُبْسِ الْقَسِّيِّ.
          وَقَالَ عَاصِمٌ: عَنْ أَبِي بُرْدَةَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: مَا الْقَسِّيَّةُ؟ قَالَ: ثِيَابٌ أَتَتْنَا مِنَ الشَّامِ أَوْ مِنْ مِصْرَ، مُضَلَّعَةٌ فِيهَا حَرِيرٌ فِيهَا أَمْثَالُ الْأُتْرُجِّ، وَالْمِيثَرَةُ كَانَتِ النِّسَاءُ تَصْطَنِعُهُ لِبُعُولَتِهِنَّ مِثْلَ الْقَطَائِفِ يُصَفِّرْنَهَا. وَقَالَ جَرِيرٌ، عَنْ يَزِيدَ فِي حَدِيثِهِ: الْقَسِّيَّةُ ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ، يُجَاءُ بِهَا مِنْ مِصْرَ فِيهَا الْحَرِيرُ، وَالْمِيثَرَةُ جُلُودُ السِّبَاعِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: عَاصِمٌ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ فِي الْمِيثَرَةِ).
          5838- ثُمَّ ساقَ حديثَ البراء بن عازِبٍ ☻ قَالَ: (نَهَانَا النَّبِيُّ صلعم عَنِ الْمَيَاثِرِ الْحُمْرِ وَالْقَسِّيِّ).
          الشرح: (عَاصِمٌ) ابن كُلَيبِ بن شِهَابٍ الجَرْمِيُّ، انفرد به مُسْلمٌ وعلَّق له البُخَارِيُّ كما ترى، وروى له في «رفع اليدين» وفي «الأدب»، مات في أول خلافة أبي جعفر، واسم (أَبِي بُرْدَةَ) عامرُ بن أبي مُوسَى عبدِ الله بن قَيْسٍ الأَشْعَرِيُّ.
          و(القَطَائِفِ) واحدُها قَطِيفَةٌ، وهي كِسَاءٌ له خَمْلٌ. وشيخُ جَرير: (بُرَيد) بضمِّ الباء، وهو ابن عبد الله بن أبي بُرْدَةَ بن أبي مُوسَى عبدِ الله بن قَيْسٍ الأَشْعَرِيُّ، كذا ضبطَه الدِّمْيَاطِيُّ على الحاشية بخطِّهِ، وأمَّا المِزِّيُّ في «تهذيبه» فذكرَه في حرف الياء المثنَّاة تحت؛ وقال: إنَّه يزيدُ بن أبي زِيَادٍ القُرَشيُّ، أخو برد، وعيَّنَ أنَّ البُخَارِيَّ روى له ذلك في هذا الباب معلَّقًا فذكرَه، وأنَّه روى له في «رفع اليدين» و«الأدب»، وروى له مُسْلمٌ مقرونًا بغيره، وأنَّ أحمدَ ويحيى بن مَعِينٍ في «جامعه»، ضعَّفُوهُ، وأنَّ العِجْليَّ قال: هو جائزُ الحديث، وأنَّه كان بِأَخَرَةٍ يُلقَّنُ، وقال ابن المبارِكِ: أكرم به، والذي حكاه غيره: ارْمِ بِهِ.
          والتعليق عن عاصِمٍ وصَلَه أبو عُبَيْدٍ في «غريبه»، وبيَّن أنَّه عاصم بن كُلَيبٍ كما ذكرناه.
          فصْلٌ: سَلَف بيانُ (القَسِّيَّةِ) قال الطَّبَرِيّ: القَسِّيُّ ثيابٌ تُعمل مِن الحرير منسوبةٌ بقرية بمِصْرَ يُقال لها: الْقَسِّيُّ. وقال أبو عُبَيْدٍ: وأصحابُ الحديث يقولون: القسِّيُّ بكسر القاف، وأهل مِصْرَ يفتحونها، يُنسب إلى بلادٍ يُقال لها: القَسُّ، رأيتُهَا ولم يَعْرِفْها الأَصْمَعِيُّ. وقال ابنُ سِيدَه في «المحكم»: قَس، والقَسُّ موضِعٌ تُنسب إليه ثيابٌ تُجلَب مِن نحوِ مِصْرَ، وقال القزَّاز: قَسٌّ _بالفتح_ موضعٌ تُنسب إليه الثِّياب، وأصحاب الحديث يقولون: القِسِّيُّ بكسر القاف والفتح لأنَّه منسوبٌ إلى هذا البلد المذكور، وذكر الحَسَن بن مُحَمَّد المُهَلَّبيُّ المِصْريُّ: أنَّ القَسَّ لسانٌ خارجٌ في البحر عندَ حِصْنٍ يسكنهُ النَّاس، بينه وبين الفرما عشرةُ فراسِخَ مِن جهة الشام، وقال الحازِمِيُّ: هي مِن بلاد السَّاحل. وقال الهَرَوِيُّ في «الغريبين»: قال شَمِرٌ: القَسِّيُّ قال بعضُهم: / وهو القَزِّيُّ، أُبدِلت الزاي سينًا.
          وعبارة النَّوويِّ: هو بفتح القاف وكسر السين المشدَّدة، وبعضُ أهل الحديث يكسر القاف، قال: والأوَّل هو الصَّحيح المشهور، والقَسُّ قريةٌ مِن تِنِّيس، وقيل: هي ثيابُ كَتَّانٍ مخلوطةٌ بالحرير، وقيل: هي ثيابٌ مِن الخزِّ وهو رديءُ الحرير. وقد سلف تفسيرُها في البُخَارِيِّ، وفي «سُنن أبي داود» والقَسُّ قريةٌ بالصَّعيد.
          فصْلٌ: والمَيَاثِرُ بالثاء المثلَّثة جمع مِيثَرة بكسر الميم، قال أبو عُبَيْدٍ: المَيَاثِرُ الحُمْرُ المنهيُّ عنها، كانت مِن مراكبِ الأعاجم من دِيْبَاجٍ أو حريرٍ. قال ابنُ بطَّالٍ: كلامه يدلُّ أنَّه لم تكن مِن حريرٍ أو دِيْبَاجٍ وكانت مِنْ صُوفٍ أحمرَ، فإنَّه يجوز الركوب عليها، وليس النَّهيُ عنها كالنَّهيِ عنها إذا كانت منها، وهذا يشبه قولَ مالكٍ، قال ابن وَهْبٍ: سُئل مالكٌ عن مِيْثَرةِ أُرْجُوانٍ، أركبُ عليها؟ قال: ما أعلمُ حرامًا، ثمَّ قرأ: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف:32]. وقال الطَّبَرِيُّ: المِيْثَرَةُ وِطَاءٌ كان للنِّساء يُوَطِّئنَهُ لأزواجهنَّ مِن الأُرْجُوانِ الأحمرِ على سُرُوج خيلِهم أو مِنَ الدِّيباجِ والحرير، وكان ذلك مِن مراكبِ العَجَم.
          وعند الهَرَوِيِّ: نُهي عن مِيْثَرة الأُرْجُوانِ، قال: وهي مِرْفَقَةٌ تُتَّخذ لصِفة السَّرجِ وكانوا يحمِّرُونَها، والأُرْجُوانُ صِبْغٌ أحمرُ. وفي «المحكم»: الْمِيْثَرَة الثوبُ تُجلَّلُ به الثِّيابُ فيعلُوها، والمِثْيَرة: هنَّة كهنَّةِ المِرْفَقَةِ تُتَّخذُ للسَّرج كالصفة، وهي المَوَاثر والمَيَاثِرُ على المُعَاقبة. وفي «مجمع الغرائب» للفارسيِّ: المِيْثَرَةُ النُّقرةُ. وقال الخطَّابيُّ _وذكر قولَه ◙: ((لَا أَرْكَبُ الْأُرْجُوَانَ))_ قال: الأُرْجُوانُ الأحمرُ، وأُراه أرادَ به المَيَاثِر الحُمْرَ، وقد تُتَّخذ مِن دِيْباجٍ وحريرٍ، وقد ورد فيها النَّهي لِمَا في ذلك مِن السفه، وليست مِن لباس الرِّجَال، وإنَّما سُمِّيت هذه المراكب مَيَاثرَ لِوَثَارتها ولِيْنِها، وكانت مراكبُهم اللُّبود أُمروا أن يُقتصرَ عليها.
          وقال النَّوويُّ: هي وِطَاءٌ كانت النِّسَاءُ تصنعُهُ لأزواجهنَّ على السُّروجِ، تكون مِن الحرير وتكون مِن الصُّوفِ وغيرِه، وقيل: هي أَغْشيةٌ للسُّروج تُتَّخذ مِن الحرير، وقيل: هي سُرُوجٌ مِن الدِّيْبَاج، وقيل: هي شيءٌ كالفِرَاش الصغير يُتَّخَذُ مِن الحرير ويُحشى بقُطْنٍ أو صُوفٍ يجعلها الراكب على البعير تحته فوق الرَّحْلِ، وهي مِفْعَلةٌ مِن الوَثَارة، يُقال: وَثُرَ وَثَارَةً فهو وَثِيرٌ، أي وَطِيءٌ ليِّنٌ، وأصلُها مُوثَرَة، فقُلبت الواو ياءً للكسرة قبلها كما في ميزان وميقات، وأصلُه موزان وموقات.
          وفي بعض نسخ البُخَارِيِّ: <والمِيْثَرَةُ جُلُودُ السِّبَاعِ>، يؤيِّده ما في النَّسَائيِّ مِن حديثِ المِقْدَام بن مَعْدِي كربٍ: وجُلُود النُّمُور.
          فصْلٌ: حديث الباب رُوي مِن غير طريق البراء، فلأبي داودَ مِن حديثِ أبي هُرَيْرَةَ ☺: ((لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جِلْدُ نَمِرٍ))، وللنَّسَائيِّ عن عليٍّ: نهاني رَسُولُ اللهِ صلعم _ولا أقولُ نهاكم_ عَنِ القَسِّيِّ. وفي كتاب «الخاتم» لابن مَنْجَوَيه مِن حديثِ عُمَرَ ☺: نهى رَسُولُ اللهِ صلعم عن مَيَاثِرِ الأُرْجُوانِ والتختُّمِ بالذَّهَب. ولأبي داودَ عن مُعَاويَةَ مرفوعًا: ((لَا تَرْكَبُوا الخَزَّ وَلَا النُّمُورَ)).