التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب المتشبهون بالنساء والمتشبهات بالرجال

          ░61▒ بَابٌ: المُتَشَبِّهُونَ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتُ بِالرِّجَالِ.
          5885- ذكر فيه حديث غُنْدَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عن قَتَادَةَ، عن عِكْرِمَة، عن ابن عبَّاسٍ ☻: لَعَنَ النَّبِيُّ صلعم المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّساء، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّساء بِالرِّجَالِ. تابعه عَمْرٌو، أخبرنا شُعْبَةُ.
          الشرح: (عَمْرٌو): هذا هو ابن مَرْزُوقٍ أبو عُثْمَانَ البَاهلِيُّ البَصْرِيُّ مِن أفراد البُخَارِيِّ.
          وفيه مِن الفقه ما ترجم له، وهو أنَّه لا يجوز للرِّجَال التشبُّه بالنِّساء في اللِّبَاس والزِّينة التي هي للنِّساء خاصَّةً، ولا يجوز للنِّساء التشبُّه بالرِّجال ممَّا كان مِن ذلك للرِّجَال خاصَّةً.
          فممَّا يحرُمُ على الرِّجال لبسُهُ ممَّا هو مِن لباس النِّساء: المَقَانِع والقَلَائِدُ والمَخَانِقُ والأَسْوِرَة والخَلَاخِلُ، وما لا يحلُّ له التشبُّه بهنَّ مِن الأفعال التي هنَّ بها مخصوصاتٌ كالانخناث في الأجسام والتأنيث في الكلام.
          وممَّا يحرُمُ على المرأة لبسهُ ممَّا هو مِن لباس الرِّجال: انتعال الرِّقَاقِ التي هي نِعَال الحدو والمشي بها في محافل الرِّجال، والأَرْدِيَة والطَّيالِسَة على نحو لُبْس الرِّجال لها في محافل الرِّجال وشبه ذلك مِن لباسهم، ولا يحلُّ لها التشبُّه بهم في الأفعال في إعطالها نفسَها ممَّا أُمرت بلبسِهِ مِن القلائد والقِرَطَة والخَلَاخِل والأَسْوِرَة، ونحو ذلك ممَّا ليس للرجل لُبْسه، وترك تغيير الأيدي والأَرْجُل مِن الخِضَاب التي أُمرت بتغييرها به.
          روى ابن مُزْيَنٍ، عن القَعْنَبِيِّ، عن حُسَينِ بن عبد الله قال: ((رأيت فاطمةَ بنت رسول الله صلعم وفي عُنُقها قِلَادةٌ وفي يدِها مَسَكةٌ في كلِّ يدٍ، وقالت: كان رسول الله صلعم يكرَهُ تعطيل النِّساء وتَشبُههنَّ بالرِّجال)).
          قلت: ومِن هذا ما ذكره أصحابنا أنَّه ليس للمرأة تحليةُ آلة الحرب بذهبٍ وفِضَّةٍ جميعاً لأجل التشبيه وإن كان يجوز لهنَّ الحرب في الجملة، وقول الشَّافِعِيِّ في «الأمِّ»: ولا أكره للرجل لُبس اللُؤلُؤ إلَّا للأدب؛ ولأنَّه مِن زِيِّ النِّساء لا للتَّحريم. ليس مخالفاً لِمَا قرَّرناه مِن حُرْمة التشبيه لأنَّ مراده أنَّه مِن جِنس زِيِّ النِّساء.