التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الأمرِ بإخراجهم

          ░62▒ بابُ الأَمْرِ بِإِخْرَاجِهمْ.
          5886- ذكر فيه: حديث ابن عبَّاسٍ ☻: ((لَعَنَ النَّبِيُّ صلعم)) إلى أن قَالَ: ((فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ صلعم فُلاَنًا، وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلاَنًا)).
          5887- وحديث أمِّ سَلَمَةَ أنَّه ◙ كان عندها وفي البيت مخنَّثٌ، فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنْ فَتَحَ عَيلَكُمْ غَدًا الطَّائِفَ، فَإِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى بِنْتِ غَيْلاَنَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، فَقَالَ ◙: (لاَ يَدْخُلَنَّ هَؤُلاَءِ عَلَيْكُم) وقد سلف [خ¦4324].
          قال أبو عبد الله: تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ يعني: أَرْبَعَ عُكَنِ بطنِها، فهي تُقْبِلُ بهنَّ.
          وقوله: وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، يعني: أطرافَ هذه العُكَن الأَرْبَعِ لأنَّها مُحِيطةٌ بالجَنبَين، وإنَّما / قال: بِثَمَانٍ. ولم يقل: بثمانيةٍ. واحدُ الأطراف وهو ذكَرٌ لأنَّه لم يقل: ثَمَانِيَةَ أَطْرَافٍ.
          والتَّخنُّث: التكسُّر وهو التعطُّف، مِن قوله: خَنَثْتُ الشيء فتخنَّث، أي: عَطَفْته فانْعَطَف فكأنَّه يمشي بخناثةٍ مشبِّهاً بمشي النِّساء، ولم يُرِد مَن يؤتى، يوضِّحه: (والمترجِّلَاتُ مِن النِّساء): التشبه بالرِّجال إذا حَملَتْ سيفاً أو رُمْحاً، وما كان فوق ذلك في السَّحْق فهو كثيرٌ.
          قاله الدَّاوُدِيُّ، وإنَّما أمرَ بإخراجها لأنَّها قد يؤدِّي فِعْلها إلى ما يفعله شِرَار النِّساء مِن السَّحْق وهو أيضاً عظيمٌ، وإنَّما لعن المخنَّث وإن كان خُلُقاً له لتشبُّههِ بهنَّ والله خلقَهُ بخِلاف ذلك، فهو يحاول تغيير الهيئة التي خُلق عليها، وله سبيلٌ إلى اكتساب خُلُق الرِّجال وقدرةٌ على اجتلابٍ منه له إلى نفسه، ولفعلِهِ ما يكرهه الله ونهى عنه رسوله مِن التشبيه بهنَّ في اللِّبَاس والزِّينة ووصفِه أمرهنَّ.
          وقال ابن عبَّاسٍ: المؤنَّثون أولادُ الجنِّ، قيل له: وكيف؟ قال: إنَّ الله نهى أن يأتي الرجل امرأتَهُ وهي حائِضٌ، فإذا أتاها حائضاً سبقه الشَّيطان إليها وَحَمَلت منه فأتت بالمؤنَّث. رواه ابن وَهْبٍ عن ابن جُرَيْج، عن عَطَاءٍ، عنه.
          فَصْلٌ: وحديث إخراج المخنَّثِين سلف في المغازي [خ¦4324].
          وقوله: (فَأَخْرَجَ فُلاَنًا، وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلاَنًا) قال ابن التِّين: هذا هو الصَّحيح في الروايات، قال: وقد جاء في رواية البُخَارِيِّ: ((فأخرج ◙ فُلَانةً)). قلت: وعليها مشى ابن بطَّالٍ.
          فَصْلٌ: قال مالكٌ: يريد تُقْبل بأربعِ عُكَناتٍ في سائر الجَوْفِ، وإذا أدبرتْ نظَرَ مِن كلِّ جانبٍ إلى أربعٍ. وقيل: تُقبل بأربْعٍ: بِشِفْرَي فَرْجِها ورِجْلَيْها. وقيل غير ذلك ممَّا سلف.
          فَصْلٌ: قوله: (لاَ يَدْخُلَنَّ هَؤُلاَءِ عَلَيْكُم) اختُلف فيه، هل هو على الإيجاب أو النَّدب لأنَّه لم يرَ منه الشَّهوة لنفسهِ وإنَّما وَصَف.
          فَصْلٌ: وفيه نفي كلِّ مَن يتأذَّى به عن موضع معصيتهِ وأذانهِ، وقد سلف في باب إخراج الخصوم وأهل الرَّيْب مِن البيوت في الخُصومات، فإنَّه يُخرج كلُّ مِن تأذَّى به جيرانه ويُكري عليه داره ويُمنع مِن السُّكْنى فيها حتَّى يتوبَ.
          فَصْلٌ: إن قلت: كيف ساغ دخوله على أُمَّهاتِ المؤمنين بعد نزول الحِجَاب؟ قلت: هو مِن جملة ما استُثني منهم غير أُوْلي الإِرْبة. وقد تأوَّله عِكْرِمَة على المخنَّث الذي لا حاجة له في النِّساء، وبذلك ورد الخبر عن رسول الله صلعم.
          وروى مَعْمَرٌ، عن الزُّهْرِيِّ، عن عُرْوَة، عن عائِشَة ♦ قالت: كان مخنَّثٌ يدخلُ على أزواج رسول الله صلعم يعدُّونه مِن غير أُوْلِي الإِرْبة، فدخل عليه رسول الله صلعم وهو ينعتُ امرأةً، وذكر الحديث، فأمَرَ ◙ ألَّا يَدخل عليهنَّ.