التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب تقليم الأظفار

          ░64▒ بَابُ تَقْلِيمِ الأَظْفَارِ.
          5890- ذكر فيه حديث ابن عُمَر ☻ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلعم قَالَ: مِنَ الفِطْرَةِ: حَلْقُ العَانَةِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ).
          5891- وحديث أبي هُرَيْرَةَ ☺: (الفِطْرَةُ خَمْسٌ). الحديث السالف.
          5892- وحديث ابن عُمَر ☻ عن النَّبِيِّ صلعم: (خَالِفُوا المُشْرِكِينَ: وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا / الشَّوَارِبَ).
          وَكَانَ ابن عُمَر ☻: إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ
          الشَّرح: الحديث الأخير وإنْ كان ممَّا لم يُترجم عليه، فلأنَّه مِن الفِطرة كالتقليم، فلذا ذكره في آخره، وتَقليمُ الأظفار تَقصيصُها، وفيه كيفيَّاتٌ ذكرتُها في «شرحي للعُمدة»، ومنها كيفيَّةٌ مجرَّبةٌ لدفْعِ الرَّمَد فسارِعْ إليها، وقد سلف معنى إحفاء الشاربِ. وعند مالكٍ: يقصُّ إطاره وهو طَرَف الشَّعَر الذي على حَرْف الشَّفة العُليا.
          وقول الأخفشِ: الإحفاءُ الاستئصالُ يُؤوَّل بما سلف، وما ذكره عن ابن عُمَر إنَّما كان يمسكُ على ما لم يشذَّ ويأخذ ما شذَّ، وليس على أنَّه يمسكُ مِن فوق الذَّقْن إنَّما يمسكُ مِن أسلفها بأصابعه الأربع ملتصقةً ويأخذ ما سَفُل عن ذلك فيكون ذلك طُول لحيتهِ.
          وبمثلِ مقالة ابن عُمَر قال والده وأبو هُرَيْرَةَ.
          وقال آخرون: يُؤخذ مِن طُولها وعرضها ما لم يُفْحِش ما أخذه ولم يحدُّوا حدَّاً، غير أنَّ المراد ما لم يَخرج عن عُرْف النَّاس في ذلك. ورُوي ذلك عن الحَسَن وعَطَاءٍ ومذهب مالكٍ نحوه.
          وكره آخرون أن يأخذ منها إلَّا في حجٍّ أو عُمرةٍ. رواه ابن جُرَيحٍ عن ابن عُمَر وعَطَاءٍ، وعن قَتَادَة نحوه إلَّا أنَّه يأخذ مِن عارِضهِ. وقيل: لا يأخذ منها شيئاً إلَّا في حجٍّ أو عُمرةٍ.
          فَصْلٌ: قوله: (فَمَا فَضَلَ) هو بفتح الضاد وكسرها، واختُلف في مستقبل مَن كسَر، فقيل: بالفتح على الأصل، وقيل: هو بالضمِّ شاذٌّ مثل حَضِر يحضُر ليس في اللغة غيرهما، وقيل: هو فيهما فعَل يفعُل بفتحِ عينِ ماضيه.
          فَصْلٌ: بسطَ الطَّبَرِيُّ الكلام على الإِحْفَاء فقال: اختلف السَّلف في صِفة إحفاء الشارب؛ فقال بعضهم: هو الأخذ مِن الإطار، وروى مالكٌ عن زيد بن أسْلَمَ، عن عامر بن عبد الله بن الزُّبَير، عن أبيه قال: رأيت عُمَرَ بن الخطَّاب إذا غَضِب فَتلَ شِارِبَه، وهذا أسلفناه عنه.
          وقال أبو عاصِمٍ: سمعتُ عبد الله بن أبي عُثْمَان يقول: رأيت ابن عُمَر يأخذ مِن شاربِهِ مِن أعلاه وأسلفه. وكان عُرْوَة وعمَرُ بن عبد العزيز وأبو سَلَمَةَ وسالِمٌ والقاسم لا يحلِقُ أحدٌ منهم شارِبَهُ.
          وهذا قول مالكٍ واللَّيث. وقال مالكٌ: حَلْق الشارب مُثْلَةٌ ويُؤدَّب فاعله، كما أسلفناه عنه.
          وكان يُكرَه أن يأخذ مِن أعلاه. وقال آخرون: الإحفاء حَلْقُهُ كلُّه.
          روى يحيى بن سَعِيْدٍ عن ابن عَجْلَان قال: رآني عُثْمَان بن عُبَيْدِ اللهِ بن رافِعٍ أخذتُ مِن شاربي أكثر ما أخذتُ منه إلى أن أشبهَ الحَلْق فنظر إليَّ، فقلت: ما (تُنْكر)؟ فقال: ما أُنكِر شيئاً، رأيتُ أصحاب رسول الله صلعم يأخذون شواربهم شِبه الحَلْق.
          قلت: مَن هُم؟ قال: جابر بن عبد الله وأبو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ وابن عُمَر وسَلَمَةُ بن الأكوع وأنسٌ. وهو قول الكُوفيِّين، وقالوا: الإحفاء هو الحَلْق، والحَلْق أفضلُ مِن التقصير في الرأس والشارب، واللُّغة تساعده.
          قال الخليل: أَحْفَى شَارِبَه: استأصَلَهُ واستقصَاهُ، وكذا قال ابن دُرَيدٍ: حَفَوتُ شَارِبي أَحْفُوه حَفْواً استأصلتُ أخذ شَعَره. حُجَّة الأوَّلين أنَّ القصَّ لا يَقْتضيه الاستئصال.
          قال صاحب «الأفعال»: يُقال: قصُّ الشَّعَر والأظفار: قطَعَ منها بالمِقَصِّ، ولِمَا جاء عنه (أَحْفُوا)، وجاء عنه القصُّ، واحتملَ أَحْفُوا الاستئصال والقصُّ، لأنَّ مَن أَحْفى بعض شاربه دخل في عُمُوم الحديث إذ لم يَرِدْ عن رسول الله صلعم أنَّ المراد الجميع ولم يحتمل القصُّ الاستئصالَ عَلِم أنَّ المراد أخذُ البعض، ورُجِّح على الاستئصال، وأجابوا عنه بأنَّا نجوِّزها.
          فائدةٌ: قال ابن المُسَيِّب: أوَّلُ مَن قصَّ الشارب إبراهيمُ الخليلُ، قال سعيدٌ: هو أوَّلُ مَن اختتنَ وجزَّ شاربه، وأضاف: وقصَّ أظفارَهُ واستحدَّ.