التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب القزع

          ░72▒ بابُ القَزَعِ.
          5920- ذكر فيه حديث ابن عُمَر ☻ أنَّه ◙ نَهَى عَنِ القَزَعِ، قَالَ عُبَيْدِ اللهِ: قُلْتُ: وَمَا القَزَعُ؟ فَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: إِذَا حَلَقَ الصَّبِيَّ وَتُرِكَ هَا هُنَا شَعَرٌ وَهَا هُنَا وَهَا هُنَا، وَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدِ اللهِ إِلَى نَاصِيَتِهِ وَجَانِبَيْ رَأْسِهِ، قِيلَ لِعُبَيْدِ اللهِ: فَالْجَارِيَةُ وَالغُلاَمُ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي، هَكَذَا قَالَ: الصَّبِيُّ. قَالَ عُبَيْدِ اللهِ: وَعَاوَدْتُهُ، فَقَالَ: أَمَّا القُصَّةُ وَالقَفَا لِلْغُلاَمِ فَلاَ بَأْسَ بِهِمَا، وَلَكِنَّ القَزَعَ أَنْ يُتْرَكَ بِنَاصِيَتِهِ شَعَرٌ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ شَقُّ رَأْسِهِ هَذَا وَهَذَا.
          5921- وحديث ابن عُمَر أيضاً: أنَّ رسول الله صلعم نَهَى عَنِ القَزَعِ.
          أصل (القَزَعِ) بفتح القاف والزاي: قِطَع السَّحاب: فسُمِّي ما يُترك في الرأس مِن الشَّعر قَزَعاً كذلك. وقال ابن السِّكِّيت: هو أن يفوِّتَ مِن الرأس مواضعَ فلا يكون فيها شَعَرٌ.
          قال ثابتٌ: لم يبقَ مِن شَعَره إلَّا قَزَعٌ، الواحدة: قَزَعَةٌ، ومِثله: ما في السَّماء قَزَعَةٌ.
          وقال ابن فارسٍ: هو أن يَحْلِق رأس الصَّبِيِّ ويترك الشَّعَر في مواضع منه متفرِّقاً، وهو الذي جاء النَّهي عنه.
          قال العِلْماء: والحكمةُ في النَّهي عنه أنَّه تشويهٌ للخَلْق، وقد روى أبو داودَ في حديث المعنى الذي مِن أجله نهى عنه، فقال: حَدَّثَنا الحُلْوَانيُّ: حَدَّثَنا يزيدُ بن هَارُونَ، حَدَّثَنا الحجَّاج بن حسَّانَ، قال: دخلنا على أنس بن مالكٍ، فقال: حَدَّثتني أمِّي قالت: دخلَ علينا رسول الله صلعم وأنت يومئذٍ غلامٌ ولك قَرْنَان، فمسَحَ رأسَك وبرَّكَ عليك وقال: ((احْلِقُوا هَذَين أو قصُّوهما، فإنَّ هذا زِيُّ اليَهُود)).
          وقيل: إنَّه زِيُّ أهل الشرِّ والدَّعارة، وحقيقته حَلْق بعض الرأس مطلقاً، وقيل: إنَّه حَلْق بعضِ مواضعَ متفرقةٍ، وهو قول الغَزَاليٍّ في «الإحياء».
          فائدة: (القُصَّة): بضمِّ القاف وفتح الصَّاد المشدَّدة، قال ابن التِّين: هي بفتح القاف في بعض النُّسخ وصوابها الضمُّ. وهي شَعَر النَّاصِية.
          و(القَفَا): مقصورٌ يُكتب بالألف.
          خاتمةٌ: قال النَّوويُّ في «شرح مُسْلمٍ»: أجمع العِلْماء على كراهة القَزَع إذا كان في مواضعَ متفرَّقةٍ، إلَّا أن يكون لمداواةٍ ونحوها وهي كراهةُ تنزيهٍ، وقال بعض أصحاب مالكٍ: لا بأس به في القُصَّة للغلام أو القَفَا للغلام.
          فَرْعٌ: قال الغَزَاليُّ في «الإحياء»: لا بأس بحلْقِ جميع الرأس لمن أراد التنظيف، ولا بأس بتركهِ لمن أراد أن يدَّهن ويترجَّل. وادَّعى ابن عبد البرِّ الإجماع على إباحة حَلْق الجميع. وهو روايةٌ عن أحمدَ، ورُوي عنه أنَّه مكروهٌ لِمَا رُوي مِن أنَّه وصفُ الخوارج.
          ولا خِلاف أنَّه لا تُكره إزالته بالمِقْرَاض إلَّا عند التحلُّل مِن النُّسك، ويُكره الحَلْق للمرأة من غير ضرورةٍ، فإن عَجَزَت عن معالجته ودهنه وآذَاها هوامٌ احتمل أنَّه لا يُكره ولها إزالتهُ، ونصَّ عليه بعضهم.