التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من جر ثوبه من الخيلاء

          ░5▒ (بَابُ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنَ الخُيَلاءِ).
          5788- ذكر فيه حديثَ أبي هُرَيْرَةَ ☺ أنَّه ◙ قَالَ: (لا يَنْظُرُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ إلى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا).
          5789- وحديثَه أيضًا: (قَالَ النَّبِيُّ صلعم، أَوْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلعم: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ، إِذْ خَسَفَ اللهُ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ).
          5790- وحديثَ عبد الرَّحْمَن بن خالدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ إِذْ خَسَفَ اللهُ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ.
          تَابَعَهُ يُونُس عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ).
          وحديثُ (جَرِيرِ بْنِ زَيْدٍ) وهو الأزْدِيُّ الجَهْضَمِيُّ بَصْرِيٌّ، عَمُّ جَرِيرِ بْنِ حَازِمِ بن زيْدٍ، قال: (كُنْتُ مَعَ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ عَلَى بَابِ دَارِهِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرةَ ☺، سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ نَحْوَهُ).
          5791- وحديثَ شُعْبَةَ قال: (لَقِيتُ مُحَارِبَ بْنَ دِثَارٍ عَلَى فَرَسٍ، وَهُوَ يَأْتِي مَكَانَهُ الذِي يَقْضِي فِيْهِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَحَدَّثَنِي قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بن عُمرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِن مَخِيلَةً لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَقُلْتُ لِمُحَارِبٍ: إِزَارَهُ؟ فقَالَ: ما خَصَّ إِزَارًا ولا قَمِيصًا.
          تَابَعَهُ جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَزَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم. وَقَالَ اللَّيْثُ: عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمرَ، مِثْلَهُ، وَتَابَعَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَعُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَقُدَامَةُ بْنُ مُوسَى، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم: مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ).
          الشرَّح: إنَّما خصَّ الإِزَارَ بالذِّكْر _والله أعلم_ لأنَّ أكثرَ النَّاسَ في عهدِه ◙ كانوا يَلْبَسونَ الأُزُرَ والأَرْدِية، فلما لَبِسَ النَّاسُ المقطَّعات وصار عامَّةُ لِباسِهم القُمُصُ والدَّرَاريع كان حُكمُها حكمَ الإزار، والنَّهيُ عمَّا جاوز الكَعْبين منها داخلٌ في معنى نهيه عن جرِّ الإزار، إذ هما سواءٌ في المماثلةِ وهذا هو القياس الصَّحيح، نبَّه عليه الطَّبَرِيُّ وهو طريق القياس ولو لم يأت نصٌّ في التسويةِ بينهما.
          وقد سلف حديثُ ابن عُمرَ [خ¦5748]: ((مَنْ جرَّ ثَوبَه خُيَلاءَ))، فعمَّ جميعَ الثِّياب، وفي أبي داودَ عن ابن عُمرَ: أنَّه سُئل عن حديث الإِزَار، فقال: ما قال رَسُول اللهِ صلعم في الإزار فهو في القميص، وقد جاء هذا أيضًا عن رَسُول اللهِ صلعم:
          روى أبو داودَ مِن حديثِ سالِمٍ عن أبيه عن رَسُول اللهِ صلعم قال: ((الإِسْبَالُ فِي الإِزَارِ والقَمِيصِ والعِمَامةِ، مَن جرَّ مِنْهَا شَيئًا لَم يَنْظُرِ اللهُ إليهِ يومَ القيامةِ))، وأخرجه ابنُ أبي شَيْبَة وقال: ((خُيَلاء)).
          فصْلٌ: قوله: (مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ) قال ابن السِّكِّيت: شعرٌ رَجِلٌ ورَجَلٌ إذا لم يكن شديدَ الجُعُودة ولا سَبْطًا. تقول منه: رجَّل شَعَرهُ تَرْجِيلًا، والجُمَّةُ بالضمِّ مَجْمَعُ شَعَر الرأس، وهو أكثرُ مِن الوَفْرَةِ.
          وقوله: (يَتَجَلْجَلُ) أي يسوخ ويَضطرِبُ، وقال عبد الملك: هو الانجرارُ في الأرض بصوتٍ، ومنه سُمِّي الجُلْجُل، وقال صاحبُ «الأفعال»: جَلْجَلْتُ الشيءَ إذا حرَّكتُه، وكلُّ شيءٍ خلطتَ بعضَهُ ببعضٍ، فقد جَلْجَلْته.
          فصْلٌ: قال الدَّاوُدِيُّ: وركوبُ الخيلِ يَغِيظ به الكفَّار ويُرْهِب العدُوَّ، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60].
          فصْلٌ: قوله: (وَلَمْ يَرْفَعْهُ شُعَيْبٌ) ذكرَه الإسْمَاعِيلِيُّ مِن حديثِ أبي اليَمَان، عن شُعَيْبٍ، عنِ الزُّهْرِيِّ: أخبرني سالِمٌ أنَّ عبدَ الله بنَ عُمرَ قال: بينما امرؤٌ جرَّ إزارَه... الحديث.
          وحديثُ عبد الرَّحْمَن بن خالدٍ هو المشارُ إليه في ذكر بني إسرائيلَ عَقِب حديث يُونُسَ عن الزُّهْرِيِّ مرفوعًا بقوله: تابعَه عبدُ الرَّحْمَن هذا، واستفدنا بهذا هذه المتابعة، وأخرجَها الإسْمَاعِيلِيُّ أيضًا مِن حديثِ ابن المبارك عنه، ومِن حديثِ ابن شَبِيبٍ عن أبيه عنه.
          وقوله: (تَابَعَهُ جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَزَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ) أمَّا متابعة جَبَلةَ فأخرجَها مُسْلِمٌ، وقد ذكره البُخَارِيُّ مُسندًا في أوَّلِ الكتاب.
          وقوله: (وَقَالَ اللَّيْث...) إلى آخرِه، يريد بقولِ اللَّيْثِ ما أخرجَهُ مُسْلمٌ عن قُتَيْبَةَ ومُحَمَّد بن رُمْحٍ؛ كِلاهما عن اللَّيْث.
          وقوله: (وَتَابَعَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ) يريد ما سلف عندَه في باب: مَن جرَّ إزارَه مِن غير خُيَلاءَ [خ¦5784].
          وقوله: (وَعُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ) أخرجهُ مُسْلمٌ عن أبي الطَّاهر بن السَّرحِ، عن ابن وَهْبٍ عنه.
          فصْلٌ: رُوي هذا الحديث مِن طُرقٍ أيضًا: روى ابنُ أبي شَيْبَةَ بإسنادٍ جَيِّدٍ عن ابن مَسْعُودٍ: نهى رَسُولُ اللهِ صلعم عن جرِّ الإزار، وعن ابنِ عبَّاسٍ رَفَعَه: ((إنَّ اللهَ لا ينظرُ إلى مُسْبِلٍ))، وعن عبد الله بن عَمْرٍو يَرْفَعه: ((لَا يَنظرُ اللهُ إلى الَّذِي يجرُّ إزارَه خُيَلاءَ))، وعن أبي ذرٍّ يرفَعُهُ: ((ثلاثةٌ لَا يكلِّمُهم اللهُ يومَ القيامة / : المُسْبِلُ...)) الحديث، وعن ابنِ مَسْعُودٍ ☺ أنَّه كان يُسْبِل، فقيل له في ذلك فقال: إنِّي حَمْشُ السَّاقين، وروى التِّرْمِذِيُّ صحيحًا عن حُذَيفة ☺ قال: أخذ رَسُولُ اللهِ صلعم بِعَضَلة ساقي _أو سَاقِهِ_ وقال: ((هذا موضعُ الإِزَارِ، فإن أبيتَ فأَسْفلَ، فإن أبيتَ فلا حقَّ للإزار في الكَعْبين)).
          وروى النَّسَائيُّ مِن حديثِ الأشعث بن سُلَيمٍ: سمعت عمَّتي تحدِّث عن عمِّي: أنَّه كان بالمدينة فسمع قائلًا: ((ارفع ثوبَكَ فإنَّه أتقى وأنقى وأبقى))، فنظرتُ فإذا هو رَسُول اللهِ صلعم، فقلت: إنَّما هي بُرْدَة مَلْحَاء، قال: ((أَوَمَا لك فيَّ أُسوةٌ))، فنظرتُ فإذا إزارُهُ إلى نِصف السَّاق. ولأبي داودَ عن ابن عبَّاسٍ ☻ وقال له عِكْرِمَةُ وقد اتَّزرَ فوضَعَ حاشيةَ إزاره مِن مُقَدِّمته على ظَهْرِ قَدَمه، ورفعَ مِن مُؤخَّره، فقلت: لمَ تأتزِرْ هذه الإزرة، قال: رأيتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَأتَزِرها.
          وروى مُسْلمٌ عن ابن عُمرَ ☻: قال النَّبِيُّ صلعم: ((يَا عَبْدَ اللهِ، ارفَعْ إِزَارَكَ)) فرفَعْتُ، ثُمَّ قالَ: ((زِدْ))، فزدتُ، فقال بعضُ القوم: إِلَى أَيْن؟ قال: أنصافِ السَّاقين. ولأبي داودَ عن أبي سَعِيدٍ يَرْفَعه: ((إِزْرَةُ المؤمِنِ إلى أنصافِ السَّاقين، لا جُنَاحَ عليه فيما بينَهُ وبين الكَعْبين، فما أسفلَ مِن الكَعْبين ففي النَّارِ، لا ينظرُ اللهُ إلى مَن جرَّ إزارَه بَطَرًا)). ولابن أبي شَيْبَة عن أبي جُرَيٍّ الهُجَيْمِيِّ مرفوعًا: ((الإِزَارُ إلى نِصْف الساقِ، فإن أَبَيتَ فإلى الكَعْبين، وإيَّاك والْمَخِيلَةَ، فإنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمَخِيلَةِ))، ومِن حديثِ أبي قَزَعَةَ، عن الأَسْقَعِ بن الأَسْلَع، عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ، عنِ النَّبِيِّ صلعم: ((ما أَسْفَلَ مِن الكَعْبين مِنَ الإزارِ في النَّارِ))، وعن عُثْمَانَ بن عفَّانَ ☺: إنَّ إِزَارَهُ كان إلى أنصاف ساقَيْهِ، وقال: هذهِ إِزْرَة حبيبي، يعني: النَّبِيَّ صلعم.
          وعن حُصَيْن بن قَبِيصةَ عن المغيرةِ بن شُعْبَة: قال رَسُول اللهِ صلعم لسُفْيَانَ بن سَهْلٍ: ((لا تُسبِل فإنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُسبِلِين)).
          فَرْعٌ: قال صاحبُ «القُنْيَة»: اختُلِفَ في المُسْدِلِ في الصَّلاة، فقيل: يُكرَه بدون القميص، ولا يُكرَه عليه وفوق الإزار، وقيل: يُكره كما في الصَّلاة، والصَّحيح لا يُكره، وهذا عجبٌ، فالنَّهي فيها وارِدٌ.