التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الله تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده}

          ░1▒ (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف:32].
          وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم: كُلُو وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصدَّقُوا في غَيْرِ إسرَافٍ ولا مَخِيلَةٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مَا شئْتَ وَالبَسْ مَا شِئْتَ مَا أَخْطَأَتْكَ اثنَتَانِ، سَرَفٌ أو مَخِيلَةٌ).
          5783- ثُمَّ ساقَ حديثَ ابن عُمرَ ☻: أنَّه ◙ قالَ: (لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ).
          الشرحُ: قيل: الآيةُ الأولى عامَّةٌ في كلِّ مُبَاحٍ، وقيل: أَيْ مَن حرَّم لُبسَ الثِّياب في الطواف، ومَن حرَّم ما حرَّموا مِن البَحِيرة وغيرها، وقال الفرَّاء: كانت قبائلُ مِن العرب لا يأكلونَ اللَّحْمَ أيَّامَ حجِّهم ويطوفون عُرَاةً، فأنزل الله الآيةَ، وهلِ الطَّيِّباتُ المُسْتَلَذُّ مِن الطَّعام أو الحلالُ.
          والحديث الأوَّل المعلَّق أخرجه ابنُ أبي شَيْبَة عن يزيدَ بن هَارُون، أخبرنا همَّامٌ، عن قَتَادَةَ، عن عَمْرو بن شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جدِّه مرفوعًا... الحديث، وقال ابنُ أبي حاتِمٍ: سمعتُ أبي، وحدَّثنا عن الفضْلِ بن الصَّبَّاح، عن أبي عُبَيْدةَ الحدَّاد، عن همَّامٍ، عن قَتَادَة، عن عَمْرو بن سعيد، عن أنسٍ رفعَه: ((كُلُوا وَاشْرَبُوا...)) الحديثَ، قال أبي: أُخطأ فيه، إنَّما هو عن قَتَادَة، عن عَمْرو بن شُعَيْبٍ، عن أبيه عن جدِّه.
          والْمَخِيلَةُ الكِبْرُ بفتح الميم مَفِعْلَة مِن اختالَ إذا تكبَّر.
          وأثرُ ابن عبَّاسٍ أخرجَه ابن أبي شَيْبَة أيضًا: عن ابن عُيَيْنَة، عن إبراهيمَ بن مَيْسَرةَ، عن طَاوُسٍ عنه.
          وقوله: (مَا أَخْطَأَتْكَ) أوردَه ابنُ التِّين بلفظ: مَا أَخْطَتْكَ، ثُمَّ قالَ: كذا وقع غير مهموزٍ، وصوابُه: أخطأتْكَ، لكن قال في «الصِّحاح»: تقول: أَخْطَأتُ، ولا تقل: خطيت، قال: وبعضُهم / يقولُه. والخُيَلاءُ كالمَخِيلَة: الكِبْرُ أيضًا، وهو بضمِّ الخاء وكسرها ممدود فيهما، والذي سمعناهُ هنا الضمُّ.
          فصْلٌ: حديث ابنِ عُمرَ أخرجهُ مُسْلمٌ أيضًا والتِّرْمِذِيُّ، وقال: حَسَنٌ صحيحٌ، والنَّسَائيُّ، قال الطَّبَرِيُّ: وقد اتفقتِ الأئمَّةُ الخمسةُ على إخراجه، قال التِّرْمِذِيُّ في باب ما جاء في كراهية جرِّ الإزار: عن حُذَيفةَ وأبي سَعِيدٍ وأبي هُرَيْرَةَ وسَمُرَةَ وأبي ذرٍّ وعائِشَة ووهيب بن مُغَفَّلٍ.
          فصْلٌ: زاد التِّرْمِذِيُّ في حديث ابن عُمرَ ☻: فقالت أمُّ سَلَمَةَ: فكيف تصنعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قال: ((يُرْخِينَ شِبرًا))، فقالت: إذًا تنكَشِفُ أقدامُهنَّ، قال: ((يُرخينَه ذِرَاعًا لا يَزِدْنَ عليهِ)).
          فصْلٌ: وفي قوله ◙: (كُلُوا وَاشْرَبُوا...)، وقولِ ابنِ عبَّاسٍ أيضًا بيانٌ شافٍ للآية، والسَّرفُ والخُيَلاءُ محرَّمانِ، وقد قال تعالى: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:141]، و{لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان:18]، وحديث الباب، وهو وعيدٌ شديدٌ.
          قال أهل العِلْم في معنى (لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِ): نظرَ رحمةٍ إن أنفذَ عليهم الوعيد فاتقى امرؤٌ ربَّه وتأدَّب بأدبِه وأدبِ رسولِهِ وأدبِ الصَّالحين، وذلَّل بالتواضع لله قلبه، وأودعَ سمعَه وبصره وجوارحه الاستكانة بالطاعة، وتحبَّب إلى خَلْقهِ بحسن المعاشرة وخالَقَهم بجميل المُخالقة ليخرُجَ مِن صِفةِ مَن لا ينظرُ اللهُ إليه ولا يحبُّه.