الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: إنما سعى رسول الله بالبيت وبين الصفا والمروة

          1649- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ): أي: ابن المديني، قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): أي: ابن عُيينة (عَنْ عَمْرِو): ولأبي ذرٍّ زيادة: <ابن دينار> (عَنْ عَطَاءٍ): أي: ابن أبي رباح.
          (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ قَالَ: إِنَّمَا سَعَى): أي: أسرعَ في مشيهِ في الأشواطِ الثلاثة الأول (رَسُولُ اللَّهِ صلعم بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيُرِيَ): بضم التحتية أوله وكسر الراء؛ أي: ليُعلِم (المُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ): وظاهر حصرِ سبب السَّعيِ فيما ذكر، لكن روى أحمدُ عن ابن عبَّاس قال: إنَّ إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام لما أُمِر بالمناسك عُرِض له الشَّيطان عند السَّعيِ فسابقَهُ فسبقَهُ إبراهيم، فيجوز أن يكون هذا هو السَّبب في مشروعيَّةِ الإسراع.
          قال العينيُّ _تبعاً لابن بطَّال_ ووردَ أيضاً سببٌ آخر، وهو سعيُ هاجرَ عليها السلام على ما صرَّح به البُخاري في كتاب الأنبياء عن ابن عبَّاس قال: جاءَ إبراهيم عليه السلام، الحديث.
          وفيه: فهبطتْ من الصَّفا حتى إذا بلغتْ الوادِي رفعت طرفَ درعها وسعت سعيَ مجهودٍ حتى جاوزتِ الوادي، الحديث.
          وفيه: ففعلت ذلك سبع مرَّاتٍ، قال ابن عبَّاسٍ: قال النَّبي: ((فلذلك سَعَى النَّاسَ بينَهُما)) فإن كان المراد بقوله: ((فلذلك سَعى النَّاس بَينهُما)): الإسراعُ فهذه العلة نصٌّ من الشَّارع، فهي أولى ما يعللُ به، وإن كان المرادُ: مُطلق الذهاب فلا، ويدلُّ له رواية الأزرقيِّ: ((فلذلِكَ طَافَ النَّاس بين الصَّفا والمروة))، انتهى فليتأمَّل.
          (زَادَ الْحُمَيْدِيُّ): بضم الحاء المهملة؛ أي: شيخُ المصنِّف، وهو من أفرادِه عن مسلم؛ لأنه لم يلقهُ (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): أي: ابن عُيينة، قال: (حَدَّثَنَا عَمْرٌو): أي: ابن دِينار، قال: (سَمِعْتُ عَطَاءً): أي: ابن أبي رباح.
          (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مِثْلَهُ): أي: مثلَ ما رُوي في الحديث السَّابق، وفائدةُ هذه الزيادة مع التَّقويةِ: أن سفيان صرَّح بالتحديثِ، وأنَّ ابن دينار صرَّح بالسَّماع، فخرجَ عن الخلافِ في القبول، لا سيَّما وسفيان من المدلِّسين.
          ومطابقةُ الحديثين للترجمةِ: أن فيهما بيان كيفيته للسَّعي.
          خاتمة: قال ابنُ عبد السلام: المروةُ أفضلُ من الصفا، قال: لأنها تقصدُ بالذكر والدُّعاء أربع مرات بخلاف الصَّفا فإنما يقصد ثلاثاً، قال: وأما البداءةُ بالصَّفا فليس بواردٍ علينا؛ لأنه وسيلةٌ، انتهى.
          وتعقَّبهُ في ((الفتح)) فقال: وفيه نظرٌ؛ لأن الصَّفا يقصدُ أربعاً أيضاً:
          أولها: عند البداءة فكلٌّ منهما مقصودٌ بذلك، ويمتازُ بالابتداء وعند التَّنزُّل يتعادلان، ثمَّ ما ثمرةُ هذا التفضيلِ مع أن العبادةَ المتعلِّقة بهما لا تتمُّ إلا بهما معاً؟ انتهى.
          وأقولُ: تظهرُ ثمرة هذا التَّفضيل في كثرةِ الثوابِ، فتدبَّر.
          واعتمد الشَّمس الرَّملي في ((شرح المنهاج)) كلام ابنَ عبد السلام، وردَّ على الزركشيِّ القائل بأن الصَّفا أفضل لمثل ما ذكرهُ في ((الفتح)) مع زيادة، فقال: البداءةُ بالصَّفا لبيانِ الترتيبِ وضرورتهِ، فلا إشعارَ في تقديمها بأفضليَّته، والبداءةُ بالشَّيء لا تستلزم أفضليَّة المبدأ على الآخرِ كصوم رمضان، آخرهُ أفضل من أوَّلهِ، انتهى.
          واعتمدَ ابنُ حَجر كلام الزَّركشيِّ فقال في ((التحفة)): وهو أفضلُ من المروةِ كما بيَّنته في ((الحاشية)).