-
مقدمة كتاب الفيض الجاري
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
[كتاب التيمم]
-
كتاب الصلاة
-
[كتاب مواقيت الصلاة]
-
[كتاب الأذان]
-
كتاب الجمعة
-
[أبواب صلاة الخوف]
-
[كتاب العيدين]
-
[كتاب الوتر]
-
[كتاب الاستسقاء]
-
[كتاب الكسوف]
-
[أبواب سجود القرآن]
-
[أبواب تقصير الصلاة]
-
[أبواب التهجد]
-
[كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة]
-
[أبواب العمل في الصلاة]
-
[أبواب السهو]
-
[كتاب الجنائز]
-
[كتاب الزكاة]
-
[أبواب صدقة الفطر]
-
كتاب الحج
-
باب وجوب الحج وفضله
-
باب قول الله تعالى: {يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر}
-
باب الحج على الرحل
-
باب فضل الحج المبرور
-
باب فرض مواقيت الحج والعمرة
-
باب قول الله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}
-
باب مهل أهل مكة للحج والعمرة
-
باب ميقات أهل المدينة ولا يهلوا قبل ذى الحليفة
-
باب مهل أهل الشام
-
باب مهل أهل نجد
-
باب مهل من كان دون المواقيت
-
باب مهل أهل اليمن
-
باب: ذات عرق لأهل العراق
-
باب [نزول البطحاء والصلاة بذي الحليفة]
-
باب خروج النبي على طريق الشجرة
-
باب قول النبي العقيق واد مبارك
-
باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب
-
باب الطيب عند الإحرام وما يلبس إذا أراد أن يحرم ويترجل ويدهن
-
باب من أهل ملبدًا
-
باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة
-
باب ما لا يلبس المحرم من الثياب
-
باب الركوب والارتداف في الحج
-
باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر
-
باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح
-
باب رفع الصوت بالإهلال
-
باب التلبية
-
باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال عند الركوب
-
باب من أهل حين استوت به راحلته
-
باب الإهلال مستقبل القبلة
-
باب التلبية إذا انحدر في الوادي
-
باب: كيف تهل الحائض والنفساء
-
باب من أهل في زمن النبي كإهلال النبي
-
باب قول الله تعالى: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج}
-
باب التمتع والإقران والإفراد بالحج
-
باب من لبى بالحج وسماه
-
باب التمتع
-
باب قول الله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}
-
باب الاغتسال عند دخول مكة
-
باب دخول مكة نهارًا أو ليلًا
-
باب: من أين يدخل مكة؟
-
باب: من أين يخرج من مكة؟
-
باب فضل مكة وبنيانها
-
باب فضل الحرم
-
باب توريث دور مكة وبيعها
-
باب نزول النبي مكة
-
باب قول الله تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنًا}
-
باب قول الله تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام}
-
باب كسوة الكعبة
-
باب هدم الكعبة
-
باب ما ذكر في الحجر الأسود
-
باب إغلاق البيت ويصلي في أي نواحي البيت شاء
-
باب الصلاة في الكعبة
-
باب من لم يدخل الكعبة
-
باب من كبر في نواحي الكعبة
-
باب كيف كان بدء الرمل
-
باب استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوف ويرمل ثلاثًا
-
باب الرمل في الحج والعمرة
-
باب استلام الركن بالمحجن
-
باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين
-
باب تقبيل الحجر
-
باب من أشار إلى الركن إذا أتى عليه
-
باب التكبير عند الركن
-
باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة قبل أن يرجع إلى بيته
-
باب طواف النساء مع الرجال
-
باب الكلام في الطواف
-
باب: إذا رأى سيرًا أو شيئًا يكره في الطواف قطعه
-
باب: لا يطوف بالبيت عريان ولا يحج مشرك
-
باب: إذا وقف في الطواف
-
باب: صلى النبي لسبوعه ركعتين
-
باب من لم يقرب الكعبة ولم يطف حتى يخرج إلى عرفة
-
باب من صلى ركعتي الطواف خارجًا من المسجد
-
باب من صلى ركعتي الطواف خلف المقام
-
باب الطواف بعد الصبح والعصر
-
باب المريض يطوف راكبًا
-
باب سقاية الحاج
-
باب ما جاء في زمزم
-
باب طواف القارن
-
باب الطواف على وضوء
-
باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر الله
-
باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة
-
باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت.
-
باب الإهلال من البطحاء وغيرها للمكي وللحاج إذا خرج
-
باب: أين يصلي الظهر يوم التروية؟
-
باب الصلاة بمنى.
-
باب صوم يوم عرفة
-
باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة
-
باب التهجير بالرواح يوم عرفة
-
باب الوقوف على الدابة بعرفة
-
باب الجمع بين الصلاتين بعرفة
-
باب قصر الخطبة بعرفة
-
باب التعجيل إلى الموقف
-
باب الوقوف بعرفة
-
باب السير إذا دفع من عرفة
-
باب النزول بين عرفة وجمع
-
باب أمر النبي بالسكينة عند الإفاضة وإشارته إليهم بالسوط
-
باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة
-
باب من جمع بينهما ولم يتطوع
-
باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما
-
باب من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون
-
باب من يصلي الفجر بجمع
-
باب: متى يدفع من جمع؟
-
باب التلبية والتكبير غداة النحر حين يرمي الجمرة
-
باب: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي}
-
باب ركوب البدن
-
باب من ساق البدن معه
-
باب من اشترى الهدي من الطريق
-
باب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم
-
باب فتل القلائد للبدن والبقر
-
باب إشعار البدن
-
باب من قلد القلائد بيده
-
باب تقليد الغنم
-
باب القلائد من العهن
-
باب تقليد النعل
-
باب الجلال للبدن
-
باب من اشترى هديه من الطريق وقلدها
-
باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن
-
باب النحر في منحر النبي بمنى
-
باب من نحر هديه بيده
-
باب نحر الإبل مقيدة
-
باب نحر البدن قائمة
-
باب لا يعطى الجزار من الهدي شيئًا
-
باب يتصدق بجلود الهدي
-
باب: يتصدق بجلال البدن
-
باب: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت}
-
باب: ما يأكل من البدن وما يتصدق
-
باب الذبح قبل الحلق
-
باب من لبد رأسه عند الإحرام وحلق
-
باب الحلق والتقصير عند الإحلال
-
باب تقصير المتمتع بعد العمرة
-
باب الزيارة يوم النحر
-
باب: إذا رمى بعد ما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ناسيًا أو جاهلًا
-
باب الفتيا على الدابة عند الجمرة
-
باب الخطبة أيام منى
-
باب: هل يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكة ليالي منى؟
-
باب رمي الجمار
-
باب رمي الجمار من بطن الوادي
-
باب رمي الجمار بسبع حصيات
-
باب من رمى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره
-
باب: يكبر مع كل حصاة
-
باب من رمى جمرة العقبة ولم يقف
-
باب: إذا رمى الجمرتين يقوم ويسهل مستقبل القبلة
-
باب رفع اليدين عند جمرة الدنيا والوسطى
-
باب الدعاء عند الجمرتين
-
باب الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الإفاضة
-
باب طواف الوداع
-
باب: إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت
-
باب من صلى العصر يوم النفر بالأبطح
-
باب المحصب
-
باب النزول بذي طوى قبل أن يدخل مكة
-
باب من نزل بذى طوى إذا رجع من مكة
-
باب التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية
-
باب الإدلاج من المحصب
-
باب وجوب الحج وفضله
-
[أبواب العمرة]
-
[أبواب المحصر]
-
[كتاب جزاء الصيد]
-
[أبواب فضائل المدينة]
-
كتاب الصوم
-
[كتاب صلاة التراويح]
-
[أبواب الاعتكاف]
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
[كتاب الشفعة]
-
[كتاب الإجارة]
-
[كتاب الحوالة]
-
[كتاب الكفالة]
-
كتاب الوكالة
-
[كتاب المزارعة]
-
[كتاب المساقاة]
-
[كتاب الاستقراض]
-
[كتاب الخصومات]
-
[كتاب في اللقطة]
-
[كتاب المظالم]
-
[كتاب الشركة]
-
[كتاب الرهن]
-
[كتاب العتق]
-
[كتاب المكاتب]
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
[كتاب الصلح]
-
[كتاب الشروط]
-
كتاب الوصايا
-
[كتاب الجهاد والسير]
-
[كتاب فرض الخمس]
-
[كتاب الجزية والموادعة]
-
كتاب بدء الخلق
-
[كتاب أحاديث الأنبياء]
-
[كتاب المناقب]
-
[كتاب فضائل الصحابة]
-
[كتاب مناقب الأنصار]
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
░1▒ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، كِتَابُ الحَجِّ، بَابُ وُجُوبِ الْحَجِّ وَفَضْلِهِ): كذا لأبي ذرٍّ بتقديم البسملة على <كتاب> وسقطتْ لغيره البسملة و<باب>، نعم ثبت <باب> لابن عساكر في ((اليونينية)) وفي نسخةٍ: تقديمُ البسملة، كذا في القسطلاني، لكن في ((فتح الباري)): نسبةُ تأخير البسملة لأبي ذرٍّ، فتأمَّل.
وللأصيلي فيما حكاهُ في ((فتح الباري)): <كتاب المناسك> وهذا في تبويبِ ((صحيح مسلم)) ووقع في ((كتاب الطَّحاوي)): ((كتاب مناسك الحج)).
والحَجُّ: بفتح الحاء وكسرها وبهما قرئ في السبع، فالفتحُ لغةُ أهل العالية، والكسرُ لغة نجد، وفرَّق سيبويه بينهما فجعل المكسور مصدراً واسماً للفعل، والمفتوحُ مصدراً فقط، وقيل: بالفتح: المصدرُ وبالكسر الاسم، وقيل: عكسه.
وقال ابن السِّكِّيت: بالفتح: القصد، وبالكسر: القومُ الحُجَّاج، وقال الجوهريُّ: والحِجة _بالكسر_: المرَّةُ الواحدةُ وهو من الشَّواذ؛ لأنَّ القياسَ بالفتح، وهو مبنيٌّ على اختيارهِ أنَّه بالفتح: الاسم.
وقال غيرهُ: الحَجَّةُ _بالفتح_ المَرَّةُ، وبالكسر: الحالةُ والهيئة، والحاجُّ: الذي يحِجُّ، وربما يظهرون التضعيف في الشعر كقوله:
بِكُلِّ شَيْخٍ عَامِرٍ أَوْ حَاجِجِ
ويجمعُ على: حُج _بالضم_ نحو بازل وبزل، ومعنى الحجِّ في اللغة: القصد، وقيل: إلى معظمه، وقيل: كثرتهُ مطلقاً، وقال الخليل: كثرتهُ إلى معظمه.
وقال في ((المصباح)): حجَّ حجًّا من باب قتل: قصَدَ فهو حَاجٌّ، هذا أصلهُ، ثُمَّ قُصر استعمالُهُ في الشَّرعِ على قصد الكعبة للحجِّ أو للعمرة.انتهى.
وقال الأزهري: أصلُ الحجِّ من قولك: حججتُ فلاناً أحجه حَجًّا: إذا عدتُ إليه مرَّةً بعد أخرى، فقيل: حجَّ البيتَ؛ لأنَّ الناس يأتونَهُ كلَّ سنةٍ، ومنه قول السَّعدي:
وَأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ حُلُولًا كَثِيْرَةً يَحُجُّوْنَ سِبَّ الزِّبْرِقَانِ المُزَعْفَرَا
وفي الشرع كما في ((المجموع)): قصدُ الكعبةِ للأفعالِ الآتية، وقيل: هو نفسُ الأفعال الآتية، واختارهُ ابنُ الرِّفعة وغيره، واستدلُّوا له بخبر: ((الحجُّ عرَفة)).
وأجيب: / بأنَّهُ لا دلالةَ في الحديث؛ لأنَّ معناه: معظمُ المقصُود منه نفس عرفة، نعم، يؤيِّدهُ قولهم: أركانُ الحجِّ خمسةٌ أو ستة.
وأجيب: بأنَّ هذه أركانٌ له بمعنى الأفعالِ، لا بمعنى القصد الذي جرى عليه في ((المجموع)) فتسميتُها أركاناً مجازٌ، ويؤيِّدهُ أيضاً: أنَّ الغالبَ في المعنى الشَّرعيِّ: أن يكون مشتملاً على المعنى اللغوي بزيادةٍ.
وعرَّفه في ((الفتح)): بأنَّهُ القصدُ إلى البيت الحرام بأعمالٍ مخصُوصة.
وقال ابنُ عرفة المالكي: وممن رسمهُ بأنَّه عبادةٌ يلزمها وقوفٌ بعرفة ليلةَ عاشر ذي الحجة، وطوافٌ طاهرٌ بالبيت بإحرام في الجميع. انتهى.
وهذا على مذهبِ المالكيَّةِ فلا يرد أن الوقوفَ يدخلُ من بعد زوال تاسع ذي الحجَّة، فتدبَّر.
والمناسك: مواقف النُّسكِ وأعمالها، جمع: مَنسِك _بفتح السين وكسرها_ وهو التَّعبُّد من النُّسُك _بضمتين_ وهو العبادةُ، لكن اختصَّ عرفاً بأعمال الحجِّ، والنَّسيكة: الذَّبيحة.
(وَقَولِهِ تَعَالَى): وفي بعضِ الأصول: <وقول الله تعالى> وسقط لفظ: <وقوله تعالى> لغير الأصيلي، وبجر ((قوله)) ورفعه وتوجيههما تقدَّم مثله غير مرَّةٍ ({وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97]): هذه الآيةُ الشَّريفةُ تدلُّ على فرضيَّةِ الحجِّ التي عبَّر عنها البخاريُّ بالوجُوب، فلذا ذكرها البخاريُّ، ولنتكلَّم عليها فنقول: قوله: (({وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ})) مبتدأ مؤخَّر، وأحد الجارين والمجرورين قبله خبر مقدَّم، والآخر حال أو هما خبران؛ أي: قصدهُ البيت لزيارتهِ بالطَّواف على الوجهِ المخصُوص فرضٌ متحتِّمٌ على الناس، ولعله خصَّ البيت دون عرفةَ وغيرها من أركان الحجِّ لأفضليَّته.
(({مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ})) أي: إلى البيتِ أو إلى الحجِّ (({سَبِيلاً})) أي: طريقاً و(({مَنِ اسْتَطَاعَ})) بدل من (({النَّاسِ})) بدل بعض، وقيل: بدل كل، وحذف الرابط لفهمهِ من المقام؛ أي: منهم.
لكن تعقَّبهُ الدَّماميني: بأنَّه يلزمُ عليه فصل البدل عن المبدل منه بالمبتدأ، وقيل: (({مَنْ})) شرطية، والجواب محذوف؛ أي: فليحجَّ.
وقال ابن السيد: أنها فاعل (({حِجُّ})) المصدر، واستشكلهُ ابن هشامٍ: بأنَّهُ يلزم عليه أن يجبَ على الناس أن يحجَّ مستطيعُهم، فإذا لم يحجَّ المستطيع أثمَ الجميع.
وردَّه في ((المصابيح)): بأنه بناهُ على أنَّ الألف واللام لاستغراق الجنس، وهو ممنوعٌ لجواز كونهما للعهد الذكري، والمرادُ حينئذٍ بالناس: مَن جرى ذكرُهُ، وهم المستطيعون، وذلك؛ لأنَّ (({حِجُّ البَيْتِ})) مبتدأ، والخبر قوله: (({لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ})) والمبتدأ مقدم على الخبر رتبةً وإن تأخَّر لفظاً، فإذا قدمت المبتدأ وما هو من متعلقاتهِ كان التَّقدير: حج البيت المستطيعون حقٌّ ثابتٌ لله على النَّاس؛ أي: هؤلاء المذكورين.
ويدلُّ عليه أنَّك لو أتيت بالضمير سدَّ مسدَّ أل ومصحوبها، وهو علامةُ الأداة التي للعهد الذكري، بل جعلُها لذلك مقدَّمٌ على جعلها للعموم، فقد صرَّح كثيرونَ بأنَّهُ إذا احتمل كون أل للعهد وكونها لغيره كالجنس والعموم، فإنا نحملها على العهدِ للقرينة المرشِدَةِ إليه. انتهى.
واعلمْ أن وجوبَ الحجِّ معلومٌ من الدين بالضَّرورةِ وبهذه الآية وبالإجماعِ، وهو أحدُ أركان الإسلام الخمس، ولا يتكرَّرُ وجوبهُ إلا لعارضِ نذرٍ أو قضاءٍ عارضٍ، وبالأحاديثِ الكثيرةِ التي منها:
روى مسلمٌ عن أبي هريرة: خطبنا رسولُ الله صلعم فقال: ((يا أيُّها النَّاسُ قد فرضَ الله عليكُم الحَجَّ فحجُّوا)) فقال رجلٌ: يا رسول الله، أكُل عامٍ؟ فسكتَ حتى قالها ثلاثاً، فقال النَّبي: ((لو قلت: نعم لوجبَتْ ولما استطَعتُم)).
وليس في سؤالِ الرَّجلِ المذكور دليلٌ على أنَّ الأمرَ يقتضِي التَّكرار ولا عدمه خلافاً لمن زعم ذلك وأطالَ الكلام فيه ثمَّ قال: ((ذَرُونِي ما ترَكتُكُم، فإنَّما هلَكَ مَن كانَ قبلَكُمْ بكَثْرَةِ سُؤَالِهِم واختِلَافهِمْ على أَنبِيَائهِمْ، وإذَا أمَرتُكُم بشَيءٍ فَأْتُوا منهُ ما استَطَعْتُم، وإذَا نَهَيتُكُم عَن شَيءٍ فدَعُوه)) وفي روايةٍ: فقام الأقرعُ بن حابسٍ فقال: يا رسول الله، أفي كلِّ عام؟ الحديث.
ولقوله عليه الصَّلاة والسَّلام فيما رواه: ((حُجُّوا قبلَ أن لا تَحُجُّوا)) قالوا: كيف نحُجُّ قبل أن لا نحُج؟ قال: ((أن تقعُدَ العرَبُ على بُطونِ الأَودِيَةِ يمنعُونَ النَّاسَ السَّبيلَ)) وفيما رواهُ البيهقي عن أبي هريرة: ((حُجُّوا قبل أنْ لا تَحُجُّوا، تقعُدُ أعرابها على أذنابِ أَودِيَتها فلا يصِلُ إلى الحَجِّ أحَدٌ)) وفي لفظ: قال: ((لا يَدَعُون أحَداً يدخُلُها)) ففيهما الإشارةُ إلى الاستطاعة، وقد فسَّرها رسول الله _كما قال البيضاوي وغيره_ بوجودِ الزَّاد والراحلة، وهو مرويٌّ عن ابن عباس وابن عُمر وعليه أكثر / العلماء.
لكنْ قال ابن المنذر: لا يثبتُ الحديث الذي فيه ذكرُ الزاد والراحلة، والآيةُ الكريمة عامَّةٌ ليست مجملةً فلا تفتقر إلى بيانٍ، وكأنَّه كلَّف كلَّ مستطيعٍ قدر بمالٍ أو ببدن. انتهى.
وهو يؤيِّدُ قول الشافعي وأحمد أنَّها بالمالِ، ولذلك أوجبَ الاستنابة على الزَّمنِ إذا وجدَ أُجرَةَ من ينوبُ عنه.
وقال مالكٌ: إنها بالبدنِ، فتجبُ على مَن قدرَ على المشيِ والكسب في الطريق، وقال أبو حنيفة: إنها بمجموعِ الأمرين، وسيأتي عن ((الفتح)) ما يوافقه.
(({وَمَنْ كَفَرَ})) {مَنْ} شرطية أو موصولة خبرها أو جوابها: (({فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97])) والمرادُ به أنَّه لا يحتاجُ إلى حجِّهم ولا ينفعه، وقيل: المرادُ: فلا يضرُّهُ كفرُهم ولا ينفعهُ إيمانهم، قيل: ويحتملُ أنَّ قولَه: {وَمَنْ كَفَرَ} استئناف وعيدٍ للكافرين، فليتأمَّل.
وضع {وَمَنْ كَفَرَ} موضع مَن لم يحجَّ تأكيداً لوجوبهِ وتغليظاً على تاركه، ولذلك قال عليه السلام فيما رواهُ ابن عدي عن أبي هريرة: ((من مَاتَ ولم يحُجَّ فليَمُتْ إن شاءَ يَهُوديًّا أو نصرانيًّا)) ونحوهُ من التغليظ: ((مَن ترَكَ الصَّلاةَ مُتعمِّداً فقد كَفَر)).
وقد أكَّدَ أمر الحجِّ في الآية مِن وجوه الدِّلالة على وجوبهِ بصيغة الخبر، وإبْرازِه بالجملة الاسمية، وإيرادِهُ على وجهٍ يفيدُ أنَّه واجبٌ لله تعالى في رقابِ الناس، وتعميمُ الحكم أولاً وتخصيصُه ثانياً، فهو كإيضاحٍ بعد إبهامٍ، وتثنية وتكريرٌ للمرام.
وتسميةُ ترك الحجِّ كفراً من حيث أنَّه فعلُ الكفرة، وذكرَ الاستغناء فإنَّهُ في هذا الموضع مما يدلُّ على المقتِ والخذلان، وذلك في قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} أي: جميعهم لما فيه من مبالغة التَّعميم، والدَّلالة على الاستغناء عنه بالبرهانِ والإشعار بعظمة السُّخط؛ لأنَّه تكليفٌ شاقٌّ جامع بين كسر النَّفس وإتعاب البدن وصرف المالِ والتجرُّدِ عن الشَّهوات والإقبالِ على الله تعالى.
قال في ((الكشاف)): عن سعيد بن المسيب: نزلتْ في اليهودِ فإنهم قالوا: الحجُّ إلى مكَّة غير واجبٍ، ورويَ: أنه لما نزل صدرُ الآية جمعَ رسولُ الله أربابَ الملل فخطبَهم وقال: ((إنَّ الله كتَبَ عليكُمَ الحَجَّ فحُجُّوا)) فآمنت به ملَّةٌ واحدةٌ وهم المسلمون، وكفرت به خمسُ مللٍ، قالوا: لا نؤمنُ به ولا نصلِّي إليه ولا نحجهُ، فنزلت.
وفيه أيضاً: وعن النَّبي: ((حُجُّوا قبلَ أنْ لا تَحُجُّوا، فإنَّهُ قدْ هُدِم البَيتُ مرَّتَين ويُرفَعُ في الثَّالثة)) وروي: ((حُجُّوا قبلَ أنْ لا تَحُجُّوا، حجوا قبل أن يمنعَ البرُّ جانبه)) وعن ابن مسعودٍ: حُجُّوا هذا البيت قبل أنْ تُنبِتَ الباديةُ شجرةً لا تأكل منها دابَّةٌ إلا نفقت، وعن عمر: لو ترك النَّاسُ الحجَّ عاماً واحداً ما نوظروا. انتهى فليتأمَّل.
تنبيه: وجوب الحجِّ وفرضهُ معلومٌ من الدين بالضَّرورة يكفرُ جاحدُهُ، وقد ثبتَ بالكتاب والسنة والإجماعِ، وهو من الشَّرائعِ القديمة، رويَ أنَّ آدمَ صلى الله على نبينا وعليه وسلم حجَّ أربعين سنة من الهندِ ماشياً، وأنَّ جبريلَ قال له: إنَّ الملائكةَ كانوا يطوفُون قبلك بهذا البيتِ سبعةَ آلاف سنة.
وقال ابنُ إسحاق: لم يبعثْ الله نبيًّا بعد إبراهيم إلا حجَّهُ، والذي صرَّح به غيره: أنه ما من نبيٍّ إلا وقد حجَّ، خلافاً لمن استثنى هوداً وصَالحاً عليهما السلام، وفي وجوبهِ على من قبلنا وجهان، وصحَّح بعضهم أنه لم يجبْ إلا علينا، لكن استُغرِب.
قال ابنُ حَجر في ((التحفة)): وحجَّ صلعم قبل النُّبوة وبعدها، وقبل الهجرة حججاً لا يدرى عددها، وتسمية هذه حُججاً إنما هو باعتبارِ الصُّورة، إذ لم تكنْ على قوانينِ الحجِّ الشَّرعي باعتبارِ ما كانوا يفعلونه من النَّسيء وغيره، بل قيل في حجَّة أبي بكرٍ في التاسعة ذلك، لكن الوجه خلافهُ؛ لأنَّه صلعم لا يأمر إلا بحجٍّ شرعيٍّ، وكذا يقال في الثامنة التي أمَّر فيها عتاب بن أسيدٍ أمير مكَّة، وبعدها حجة الوداع لا غير. انتهى.
واعترضَهُ العبادي في ((حواشيه)): بأن قضيَّةَ صنيعه أنَّه عليه السلام حجَّ بعد النُّبوة قبل الهجرة، ولم يكن حجًّا شرعيًّا وهو مشكلٌ جدًّا. انتهى.
وروى الترمذيُّ عن جابر بن عبد الله: ((أنَّه صلعم حجَّ ثلاث حججٍ قبل أن يُهاجرَ، وحج بعدما هاجر حجَّةً واحدةً معها عُمرة)). انتهى.
وهي حَجَّة الوداع.
واختلفوا متى فُرِض، فقيل: قبل الهجرة، وهو شاذٌّ، والمشهورُ: أنه بعدها، فقيل: أول سنيِّها وهكذا إلى العاشرة، والأصحُّ: أنَّه في السَّادسة، كما صحَّحهُ الشيخان، ونقله في ((شرح المهذب)) عن الأصحاب.
وقال في ((الفتح)): الجمهورُ على أنه وجب سنة ستٍّ لنزولِ قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] فيها، قال: وهذا ينبني على أنَّ المرادَ بالإتمام: ابتداء الفرضِ، ويؤيِّدهُ قراءةُ علقمةَ ومسروق وإبراهيم النَّخعي بلفظ: ▬وأقيموا↨ أخرجهُ الطبري بأسانيدَ صحيحة عنهم، وقيل: المرادُ بالإتمام: الإكمالُ بعد الشُّروع، وهذا يقتضي تقدُّم فرضه / قبل ذلك، وقد وقع في قصَّة ضمام ذكرُ الأمر بالحج، وكان قدومُهُ _على ما ذكر الواقدي_ سنةَ خمسٍ، وهذا يدلُّ إنْ ثبتَ على تقدُّمه على سنة خمسٍ أو وقوعه فيها. انتهى.
وقال العينيُّ في ذلك: وأشار _أي: البخاري_ بذكرِ هذه الآيةِ إلى أنَّ وجوبَ الحجِّ ثبت بهذه الآية، وهذا عند الجمهور، وقيل: ثبتَ وجوبهُ بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} قال: والأوَّلُ أظهر. انتهى فتأمَّله.
وقد اختلفوا فيه كالعمرة، وعند من يقولُ بوجوبها _كالشافعية والحنابلة_ هل هو على الفور أو على التراخي؟ والصَّحيحُ عند الشافعيَّةِ: أنَّه على التراخي؛ لأنَّه _كما علمت_ فُرِضَ سنةَ ستٍّ على الأصحِّ، وأخره عليه السلام إلى سنة عشرٍ من غير مانعٍ، فدلَّ على أنَّه على التَّراخي، وبه قال الأوزاعي والثوري ومحمد بن الحسن، وهو مرويٌّ عن ابن عباسٍ وأنس وجابر وعطاء وطاوس، وإليه ذهب اللخمي وصاحبِ ((المقدمات)) والتلمساني من المالكية.
وحكى ابن القصَّار عن مالكٍ: أنَّه على الفورِ، ووافقهُ العراقيون، وشهرهُ صاحب ((الذخيرة)) و((العمدة)) وابن بزيزة، لكن القولَ بالتراخي مشروطٌ بشروطِ العزم على الفعلِ بعد، وأن لا يتضيَّقَ بنذرٍ أو بخوفِ فواتهما بنحو عَضْب أو تلف مالٍ بقرينةٍ ولو ضعيفة لقولهم: لا يجوزُ تأخير الموسع إلا إن غلب على الظَّنِّ تمكُّنه منه، أو لكونهما قضاءً عمَّا أفسده.
ومتى أُخِّر ولو مع الشروط فمات قبل أن يحجَّ تبيَّن فسقُهُ بموتهِ مِن آخر سنيِّ الإمكان إلى الموت، فيردُّ ما شهد به قبل وينقضُ ما حكمَ به، وابتدأ فسقهُ من أوَّل الزمن الذي يمكنُ فيه السَّير الذي يدركُ به الحجَّ على العادة.
وفي ((الملتقى)) مع ((شرحه)) للعَلائي: الحجُّ فُرِض في العمرِ مرَّةً على الفورِ عند الثاني؛ لأنَّ الموتَ في السنة غيرُ نادرٍ، وهو أصحُّ الروايتين عن الإمامِ ومالك وأحمد، كما في عامَّةِ المعتبرات كـ((الخانية)) و((الأسرار)).
وفي ((القنية)): أنَّه المختارُ، فيفسقُ وتردُّ شهادته بالتَّأخير عن العامِ الأول بلا عذرٍ، إلا إذا أدى ولو في آخر عمره، فإنَّهُ رافعٌ للإثمِ بلا خلاف، خلافاً لمحمد فعندَه على التَّراخي، فلا يأثمُ بالتَّأخير، لكن لو ماتَ ولم يحجَّ أَثِم إجماعاً.
لكن استثنى في ((الكشف)): ما إذا ماتَ فجأةً، وفي الزاهدي: لو وجبَ عليه الحجُّ وحيل بينه وبينه حتى مات سقط؛ لأنَّ وجوبَه موسَّعٌ كما سقطَ عن الحائضِ قبل خروج الوقت، وقيل: لا يسقطُ؛ لأنَّه على الفور، وقالوا: لو لم يحجَّ حتى أتلفَ مالهُ وسِعَه أن يستقرضَ ويحجَّ، وإن كان غير قادرٍ على قضائهِ، بل في التَّمرتاشي عن أبي يوسف: يلزمُهُ الاستقراض، ولو مات قبل قضائهِ يرجى أن لا يؤاخذَه الله بذلك _أي: إذا عزمَ على القضَاء_. انتهى فاعرفه.