الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: كيف تهل الحائض والنفساء

          ░31▒ (بَابٌ: كَيْفَ تُهِلُّ): بضم المثناة الفوقية وكسر الهاء؛ أي: كيف تُحرم (الحَائِضُ والنُّفَسَاءُ): بالمد مع ضم النون، وفي معناهما: سلس المني والدم.
          (أهَلَّ): بتشديد اللام؛ أي: الشَّخص بما في قلبه (تَكَلَّمَ بِهِ، واسْتَهْلَلْنا): من باب الاستفعال (وأهْلَلْنا الهِلالَ): من باب الإفعال؛ أي: طلبنا ظهورهُ، فالهلالَ: بالنصب مفعول لأحد الفعلين المبنيين للفاعل على سبيل التنازع، ولأبي ذرٍّ: <الهلالُ>: بالرفع.
          ووجههُ شيخُ الإسلام ومن تبعه: بأن الفعل / مبني للمفعول، و((الهلالُ)) نائب عن الفاعل؛ أي: طلبَ منا ظهوره، انتهى.
          وأقول: فيه أن الفعلينِ المذكورين لا يصحُّ فيهما ذلك كما لا يخفى، نعم لو كان الفعلُ استهلَّ وأهلَّ لقبلا ذلك، فليتأمَّل إلا أن يقدرا كذلك بعد المذكورين، فتدبَّر.
          قال الجوهريُّ وغيره: لا يقال: أهلَّ الهلالُ واستُهِل على ما لم يسمَّ فاعله، ويقال أيضاً: استهلَّ يعني: تبيَّن، ويقال: أهللنا عن ليلةِ كذا، ولا يقال: أهللناهُ، فهل كما يقال: أدخلناهُ فدخلَ، وهو قياسهُ.
          وأقول: لو جعل ((الهلالُ)) على رواية أبي ذرٍّ مرفوعاً على أنه مبتدأ، وقوله: (كُلُّهُ): توكيد له أو مبتدأ ثان، وقوله: (مِنَ الظُّهُورِ): خبر لكان وجيهاً ولا حذف، ومعنى ((كله)) أي: بأقسامه الثَّلاثةِ، فافهم.
          وقوله: (واسْتَهَلَّ المَطَرُ: خَرَجَ مِنَ السَّحَابِ... إلخ): فيه معنى الظُّهور والتبين، فلو أخَّر قوله: ((كله... إلخ)) عن قوله: ((واستهل المطر... إلخ)) لكانَ أولى.
          وقال العيني: ذكره هنا في غيرِ محله، ومثل ((استهل المطر)): استهلَّ الدمع؛ أي: خرجَ من العين، فافهم.
          ({وَمَا أُهِلَّ}): بضم الهمزة؛ أي: ذُبِح ({لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة:3]): متعلق بـ{أُهِلَّ} (وهوَ مِنِ اسْتِهْلالِ الصَّبِيِّ): أي: رفع صوته بالصياحِ عند الولادة، وسقط واو <وهو> من بعضِ الأصول، وعليها فقوله: ((هو... إلخ)) خبرٌ عن قوله: ((واستهلَّ المطر... إلخ)) الواقع مبتدأ ومعطوفاً عليه لإرادة لفظه، وجعل في ((الفتح)) ضمير ((وهو)) لقوله: (({وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ}))، فتأمَّل.
          تنبيه: قوله: ((أهل: تكلم به... إلخ)): ثابتٌ في رواية المستملي والكُشميهني؛ أي: لا في غيرهما.
          قال في ((الفتح)): وليس هذا مخالفاً لما سبقَ من أن أصلَ الإهلالِ: رفعُ الصوت، قال: لأنَّ رفع الصَّوت يقع بذكر الشَّيء عند ظهوره. انتهى.