الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال عند الركوب

          ░27▒ (بَابُ التَّحْمِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ): أي: باب طلبها، وسقط: <التحميد> من رواية المستملي (قَبْلَ الإِهْلاَلِ): أي: التلبية، وقد تنازعَ في هذا الظرف كل من المصادر الثلاثة كالظَّرف في قوله: (عِنْدَ الرُّكُوبِ): ويحتملُ تعلق الثاني بالإهلال على أنَّه ظرف لغو أو حال منه.
          وقوله: (عَلَى الدَّابَّةِ): متعلِّق بالركوب، ويحتملُ بأحدها؛ أي: بعد الاستواء عليها لا في حالِ وضع رجلهِ مثلاً في الركابِ.
          قال في ((الفتح)): وهذا الحكمُ _وهو استحبابُ التَّسبيح وما بعدَه قبل الإهلالِ_ قل من تعرَّض له مع ثبوتهِ، انتهى.
          قال صاحبُ ((التوضيح)) وغيره _كابن بطَّال_: غرضُ البخاري بهذه التَّرجمة الرد على أبي حنيفة في قوله: من سبَّح أو كبَّرَ أو هلَّلَ أجزأهُ عن إهلاله، انتهى.
          واعترضَهم العيني فقال: هذا كلامٌ واهٍ صادرٌ عن غير معرفةٍ بمذاهبِ العلماء؛ فإنَّ مذهب أبي حنيفة: أنه لا ينقصُ شيئاً من ألفاظ تلبيةِ النَّبي، وإن زاد عليها فهو مستحبٌّ، كذا في الكتبِ المعتمد عليها، ولئن سلَّمنا أن ما ذكرهُ منقولٌ عن أبي حنيفة فلا نسلِّم أن الترجمة تدلُّ على الرَّدِّ عليه؛ لأنه أطلقها ولم يقيِّدها بحكمٍ من الجواز وعدمه فبأيِّ دلالةٍ من أنواع الدَّلالات تدلُّ على ما ذكره؟ انتهى.
          وأقول: والمقرر في كتبهِم: أنه إذا لبَّى أو أتى بأيِّ ذكرٍ يقصدُ به التَّعظيم ناوياً فقد أحرمَ، وهذا معنى قولِ المعترضين، فكيف يليقُ أن يقال في حقِّهم هذا الكلام؟ وأما وجه دَلالتها عليه؛ لأنه أتى بالتَّحميدِ، والذين بعده قبلَ الإهلال فلم يكتفِ بها، بل لبَّى معها، فتأمل.
          فقد يقال: الجمعُ بينهما؛ لأنه الأفضلُ فلا يُنافي أنه يجزئ أحدهما إذا اقتصرَ عليه.