الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت

          ░145▒ (باب إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ): أي: أو نفست (بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ): أي: طافتْ طواف الإفاضَةِ، هل يجبُ عليها طواف الوداعِ أو يسقط، وإذا وجبَ هل يجبرُ بدمٍ أم لا؟
          والحديث يدلُّ على أنَّ جوابَ ((إذا)) يقدر بنحو: لا شيءَ عليها، لكنْ لم يجزمْ المصنِّف في الترجمةِ للخلافِ في ذلك.
          قال ابنُ المنذر نقلاً عن عامَّة الفقهاء بالأمصَار: ليس على الحائضِ التي قد أفاضَتْ طوافُ وداعٍ إلا ما روينا عن عُمر بن الخطاب وابنه وزيد بن ثابت أنهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضاً لطواف الوداع، وكأنهم أوجبوه عليها كما يجبُ عليها طواف الإفاضةِ لو حاضَتْ قبله.
          وروي أيضاً بسندٍ صَحيحٍ إلى ابن عمر أنه قال: ((طافَتْ امرأةٌ بالبَيتِ يوم النَّحرِ ثم حاضَتْ فأمر عُمر بحبسهَا بمكَّة بعد أنْ ينفرَ الناس حتَّى تطهرَ وتطوفَ بالبيتِ)) قال: وقد ثبت رجوعُ ابن عمر وزيد بن ثابت عن ذلك، وبقي عُمر فخالفناه لثبوت حديثِ عائشة. انتهى ملخَّصاً.
          وكأنَّ عُمرَ لم يبلغْه حديثُ عائشة ونحوه، مع أنه سمعَ مِن النَّبي أولاً أنه يلزمها، ولم يوجبْه عليها قياساً على طواف الإفاضة، كما قالهُ ابن المنذر، ويدلُّ لذلك ما رواه أحمدُ وغيره ممن يأتي.
          قال في ((الفتح)) و((العمدة)): إنه وافقَ عمر على رواية ذلك عن النَّبي صلعم الحارث بن عبد الله الثقفي، فقد روى أحمدُ وأبو داود والترمذي والنَّسائي والطَّحاوي واللَّفظ / لأبي داود بسندهِ إلى الحارثِ المذكور أنَّه قال: أتيتُ عمرَ فسألتُه عن المرأةِ تطوفُ بالبيتِ يوم النَّحر ثمَّ تحيضُ، قال: ليكنْ آخر عهدها بالبيت، فقال الحارثُ: كذلك أفتاني رسولُ الله صلعم، فقال عمر: أربْتَ عن يدَيكَ.
          وفي رواية التِّرمذي: ((خررْتَ عن يديكَ سألتَ عن شيءٍ سألتُ عنه رسولَ الله صلعم لكيما أخالفه)).
          وروى الطَّحَاوي أيضاً بسندهِ عن ابن عبَّاس قال: كان النَّاس ينفرونَ من كلِّ وجهٍ، فقال رسولُ الله: ((لا ينفِرَنَّ أحدٌ حتى يكونَ آخرُ عهدِهِ الطَّوافَ بالبَيتِ)) فهذا عامٌّ في الحائضِ وغيرها ولا يرد هذا على الجمهورِ؛ لأنَّ هذا ونحوه مطلقٌ، وما في الصَّحيح عن عائشة وأمِّ سلمة وابن عبَّاس أيضاً مقيَّد فيحملُ المطلقُ على المقيَّد.
          وقال الطَّحَاوي: منسوخٌ بهذه الأحاديث الصَّحيحة، فاعرفه.