الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر الله

          ░79▒ (بَابُ وُجُوبِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ): أي: وجوب السَّعي بينهما وفرضيته؛ لأن الوجوبَ لا يتعلَّق بالذَّوات، فهو على حدِّ قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة:3]، أي: تناولها.
          والصفا _بالقصر_: موضعٌ معروفٌ بمكة قريبٌ إلى المسجد الحرامِ، ويقابله المروة يسعى سبع مرَّات بينهما الحاجُّ أو المعتمر، والصَّفا في الأصل: جمع: صَفاة، وهي الصَّخرةُ الملساء، ويجمعُ على أصفاء وصُفي _بضم أوله_ والصفا أيضاً: اسم نهرٍ بالبحرين، / والصفاء _بالمد_ خلاف الكَدر، والمروةُ في الأصل: حجرٌ أبيض برَّاق، وقيل: هي التي يقدحُ منها النار وتجمعُ على مروات.
          وفي ((القاموس)): المرو: حجارَةٌ بيضٌ برَّاقةٌ تُورِي النَّارَ، أو أصلبُ الحجارَةِ وشَجَرٌ وبلد بفارِسَ، والنِّسبَةُ مَروِيٌّ ومَرُوزِيٌّ’ وبهاءٍ: جبلٌ بمكة، انتهى.
          (وَجُعِلَ): بضم الجيم؛ أي: وجوب السَّعي بينهما أو كلٌّ من الصَّفا والمروة (مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ): بالهمز؛ أي: من أعلامِ مناسكهِ، جمع: شَعِيرة وهي العلامةُ.
          وقال الزَّجاج: هي جميعُ متعبَّداتِ الله التي أشعرَها الله تعالى؛ أي: جعلها أعلاماً لنا.
          وقال الجوهريُّ: الشعائر: أعمالُ الحجِّ، وكلُّ ما جُعِل علماً على طاعةِ الله.
          تنبيه: قال في ((التلويح)): قوله: ((وجعلَ من شَعائرِ اللهِ)) كذا في نسخة السَّماع، وفي أخرى: ((وجعلا)) أي: الصَّفا والمروة، انتهى.
          وأقول: النسخةُ هي التي وجدت في أكثر النُّسخ.
          قال شيخُ الإسلام: و((جعل)) مؤول بمصدر معطوف على ((وجوب))، انتهى.
          وأقول: ويحتملُ بقاء ((جعل)) على حاله، والجملة: حالٌ بتقدير قد أو مستأنفة، فتدبَّر.