الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب إغلاق البيت ويصلي في أي نواحي البيت شاء

          ░51▒ (بَابُ إِغْلاَقِ الْبَيْتِ): أي: طلب إغلاقِ باب الكعبة، فالإغلاقُ مصدر أغلقَ، وأما غلق _بالتخفيف_ غلقاً فلغة رديئةٌ، كما قاله الجوهريُّ، ويشدد للتكثير (وَيُصَلِّيَ): بنصبه بأن مضمرة جوازاً على حد:
ولُبْسُ عَبَاءَةٍ وتَقَرَّ عَيْنِي
          فالمصدرُ المؤول معطوفٌ على المصدر الصَّريح.
          وقوله: (فِي أَيِّ): متعلِّق بـ((يصلي)) (نَوَاحِيَ): جمع: ناحية _بالحاء المهملة_ أي: في أيِّ جهاتِ (الْبَيْتِ شَاءَ): إذا كان الباب مغلقاً حيث صلَّى متوجهاً إلى الباب، إذ لو بقيَ الباب مفتوحاً فصلاته باطلةٌ لعدم استقبالهِ من الكعبةِ شيئاً، نعم، إن كان له عتبةٌ أو سمر فيه شيءٌ مرتفعٌ، كلٌّ منهما / ثلثي ذراع صحَّت الصَّلاة، وهذا مذهبُ الشافعي.
          قال في ((التوضيح)) كابن بطَّال: فكأنه استدلَّ على ذلك بغلقِ النَّبي باب الكعبة حين صلَّى فيها، وقد يقال: إنما أغلقهُ لئلا يكثرَ النَّاسُ عليه فيصلُّوا بصلاته، فيظنَّ أن ذلك من مناسك الحجِّ كما فعلَ في صلاة اللَّيل في رمضان حين لم يخرج أن تفرضَ عليهم.
          وقال في ((الفتح)) ما حاصلهُ: كأن البخاريَّ أشارَ بالترجمة إلى أن من الحكمةِ في إغلاق البابِ أن لا يتعيَّنَ الموضعُ الذي صلَّى فيه عليه السلام للصلاة، وإن كان أفضلَ من غيره، قال: وهو أولى من دَعوى ابن بطال أن الحكمةَ فيه لئلا يظنَّ الناس أن ذلك سنَّةٌ، قال: وهو مع ضعفهِ منتقضٌ بأنه لو أرادَ الإخفاءَ ما أطلع عليه بلالاً ومن معه، وإثبات الحكمِ يكفي فيه نقل الواحد، انتهى فليتأمَّل.
          فإنه يرد عليه نظيرُ ما أورده في تعين الموضع، والأولى عندي: أنه أشارَ إلى اشتراطِ استقبالِ شيء منها ولو حكماً، فتأمل.
          ولا يشترطُ عند الحنفيَّةِ التوجه إلى شيءٍ من ذلك، وهو وجهٌ عند الشافعيَّةِ، وقيل: يشترطُ عندهم أن يكون قدر قامةِ المصلِّي، ويجري الخلافُ عندهم فيما لو صلَّى على ظهرِ الكعبة فلا بدَّ من الساتر المذكورِ، بخلاف ما لو صلَّى خارجها، فإنه لا يشترطُ ذلك؛ لأنه يعدُّ أنه مستقبلٌ لها، وتقدَّم الكلامُ في ذلك بأبسط في باب الغلق للكعبةِ من كتاب الصَّلاة.