الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون

          ░98▒ (بَابُ مَنْ قَدَّمَ): بتشديد الدال؛ أي: بيانُ من قدم أو جوازُ، بل سن تقديمُ من قدم من إمامٍ أو غيره (ضَعَفَةَ أَهْلِهِ): ((ضَعَفة)) مفعول ((قدَّمَ))، وهو: بفتح الضاد المعجمة والعين المهملة، جمع: ضعيفٍ من النساء والصبيان والعاجزين، لكبرٍ أو مرضٍ ليرموا قبل الزَّحمة، وخصَّ ابن حزم الضَّعفة بالنساء والصبيان.
          (بِلَيْلٍ): أي: في ليلٍ من المزدلفة، متعلق بـ((قدم)) (فَيَقِفُونَ): أي: ضعفةَ أهله (بِالْمُزْدَلِفَةِ): أي: عند المشعر الحرام، أو غيره منها ندباً عند الشافعية (وَيَدْعُونَ): بسكون الدال؛ أي: ويذكرونَ الله بها.
          (وَيُقَدَّمُ): ضبطه الكرمانيُّ بلفظ المفعول والفاعل؛ أي: والدال مشددة فيهما، وعلى الثاني: فالفاعل ضمير يعود إلى ((من)) باعتبار لفظها كفاعل ((قدم)) السابق، ويحتملُ أن ((يقدم)) بمعنى: يتقدم فالفاعل يعودُ إلى الضعفة.
          وما في ((الفتح)) من قوله: حذف الفاعلُ للعلم به، انتهى، ففيه تجوُّزٌ في حُذِفَ من أضمر، فافهم.
          وأما على الأول: فالضمير عائدٌ على إلى ((ضعفة أهله))، فافهم، وفي بعض الأصولِ الصَّحيحة: <يَقْدَم> بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه، وفاعله ضميرٌ عائد لضعفة.
          وقوله: (إِذَا غَابَ القَمْرُ): بيانٌ للمرادِ من قوله: ((بليل)) لأنه عامٌّ في أوَّلِ الليل ووسطه وآخره، ومغيبُ القمر تلك الليلة يحصلُ عند أوائلِ الثلث الأخير، ولذا قيَّده الشافعيُّ ومن وافقه بالنصف الثاني.
          قال في ((مغني الحنابلة)): لا نعلمُ خلافاً في جواز تقديم الضَّعفةِ بليلٍ من جمع إلى منى، كذا في ((الفتح)).
          وأقول: إذا قيَّد بالنصف الثاني فلا فرقَ بين الضعفة وغيرهم؛ لأن الواجبَ: المبيت في النصف الثاني من المزدلفة ولو لحظةً، بل يكفي بها المرور كما في عرفة، لكن الأفضل لغير الضَّعفة: أن يصلوا بمنى مغلِّسين، ثمَّ يسيرون إلى منى بعد الوقوفِ بالمشعر الحرام كما يأتي، فاعرفه.
          وروى أبو داود عن ابن عبَّاسٍ قال: ((كان النَّبي يقدِّم ضَعَفَة أهلِهِ بغَلَسٍ، ويأمُرُهُم أن لا يَرمُوا الجمرَةَ حتَّى تطلُعَ الشَّمسُ))، وروى النَّسائي عن ابن عبَّاسٍ أنه قال: ((أرسَلَني رسولُ اللَّهِ صلعم في ضَعَفة أهلِهِ))، فصلَّينا الصُّبح بمنى، ورمينا الجمرة.