الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب رمي الجمار

          ░134▒ (باب رَمْيِ الْجِمَارِ): أي: بيانُ وقت رميها، أو بيانُ حُكم رميها، أو بيان رميها، فإن الرَّميَ مصدرٌ مضافٌ لمفعوله، فافهم.
          و((الجِمار)) بكسر الجيم، جمع: جَمرةٍ _بفتحها_ النار المتَّقدة، والحصَاة، وواحدة جمرات المناسك، وهي المرادةُ هنا وهي ثلاثٌ الجمرة الأولى والوسطى وجمرة العقبة يرمينَ بالجمار، كذا في ((القاموس)) كـ((الصحاح)) وقد يقتضي قوله: يرمينَ بالجمار أنَّ تسميةَ جمرات المناسك بها مجازٌ، وبذلك صرَّح القرافي حيث قال: الجمارُ اسمٌ للحصى لا للمكان، والجمرةُ الحصاة قال: وإنما سُمِّي الموضعُ جمرة باسم ما جاورهُ وهو اجتماعُ الحصى فيه. انتهى.
          لكنَّ مقتضى ما في ((المصباح)) أنه حقيقةٌ قال: جمرةُ النَّار: القطعة المتلهِّبَة، والجمع: جُمر وجمع الجمرة: جمرات وجمار، ومنهُ جمرات العرب، وهي الطَّائفةُ تجتمعُ على حدة لقوَّتِها وشدَّةِ بأسها، يقال: جمرَ بنو فلانٍ: اجتمعوا وجمرتهم يتعدَّى ولا يتعدَّى، وجمرتْ المرأةُ شعرها، جمعتهُ وعقدتهُ في قفاها وكلُّ شيءٍ جمعته فقد جمرته، ومنه الجمرةُ وهي مجتمعُ الحصى بمنى فكلُّ كومةٍ من الحصى جمرة، والجمع: جمرات.
          وجمراتُ منى ثلاثةٌ بين كلِّ جمرتين غلوةٌ بسهمٍ. انتهى فتأمله.
          وقال القسطلاني: والأولى منها هي التي أقربُ إلى مسجد الخيف، ومن بابه الكبيرِ إليها ألف ذراع مئتا ذراعٍ وأربعةٌ وخمسون ذراعاً وسدس.
          ومنها: إلى الجمرةِ الوسطى مائتا ذراعٍ وخمسةٌ وسبعون ذراعاً، ومن الوسطى إلى جمرة العقبة مائتا ذراعٍ وثمانية أذرعٍ كلُّ ذلك بذراعِ الحديد.
           / (وَقَالَ جَابِرٌ): أي: ابن عبد الله الصَّحابي مما وصله مسلمٌ (رَمَى النَّبِيُّ صلعم): أي: جمرة العقبةِ (يَوْمَ النَّحْرِ ضُحَى): قال في ((الصحاح)): تقول: لقيتُه ضحى وضحى: إذا أردت به ضُحى يومك.
          وفي ((القاموس)): الضَّحْوُ والضَّحْوَةُ والضَّحِيَّةُ، كعَشِيَّةٍ، ارتِفاعُ النَّهارِ، والضُّحَى فُويقَهُ، ويُذكَّر ويُصغَّرُ ضُحَيًّا، والضَّحاءُ: بالمدِّ، إذا قرُبَ نصفُ النهار، وبالضم والقصر: الشَّمسُ، وأتيتُكَ ضحوَة: ضُحًى، وأَضْحَى صارَ فيها. انتهى.
          قال العيني: بالتنوين في الرواية على أنه مصروفٌ، وهو مذهبُ البصريين سواءٌ قصدَ التَّعريف أو لا، ورواه مسلمٌ وابن خُزيمة وابن حبَّان عن جابرٍ بلفظ: ((قال: رأيتُ النَّبيَّ صلعم رمى الجمرةَ ضُحى يوم النَّحر وحدهُ)).
          (وَرَمَى): أي: النَّبيُّ (بَعْدَ ذَلِكَ): أي: بعد يوم النَّحرِ رميَ الجمار أيَّامَ التشريق (بَعْدَ الزَّوَالِ): أي: عقبَ دخول وقت الظُّهر، لما رواه الدَّارميُّ عنه بلفظ التَّعليقِ غير أنه قال: وبعد ذلك عند زوال الشَّمس، ومن ثمَّ قال في ((المجموع)) عن الأصحاب ويندبُ تقديمهُ على صلاة الظُّهرِ، ولا يجوزُ تقديمه على الزَّوال.
          واعلمْ أنَّ رمْيَ يوم النَّحر يدخلُ وقته عندنا بنصف ليلة النَّحر؛ لما روى أبو داود بسندٍ على شرط مسلمٍ عن عائشة: أنَّه صلعم أرسل أمَّ سلمة ليلة النَّحرِ فرمت قبل الفجرِ ثمَّ أفاضت.
          وعند الحنفيَّةِ بعد طلوع الشمس لما روى أبو داود، عن ابن عبَّاسٍ عن النَّبي أنه قال: ((أيْ بَنِيَّ، لا ترمُوا الجمْرَةَ حتَّى تطلُعَ الشَّمْسُ، ويبقى وقتُ رميهِ إلى آخر أيَّامِ التَّشريقِ أداءً على الأظهرِ ليلاً أو نهاراً كرَميِ الثَّلاثِ أيَّامٍ بعدَ يوم النَّحرِ)).
          ومطابقةُ هذا التَّعليقِ للترجمة ظاهرة.