الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: قدم النبي فطاف بالبيت سبعًا وصلى خلف المقام ركعتين.

          1645- 1646- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ): أي: المديني، قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): أي: ابن عُيينة (عَنْ عَمْرِو) بفتح العين (ابْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ): أي: ابن الخطَّاب (☻ عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ فِي عُمْرَةٍ، وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ؟): أي: أيحلُّ له مجامعتها قبل السَّعي.
          (فَقَالَ): أي: ابن عُمر، ولأبي ذرٍّ: <قال> (قَدِمَ النَّبِيُّ صلعم): أي: لمكَّة (فَطَافَ بِالبَيْتِ سَبْعاً، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ): أي: مقامِ إبراهيم عليه السلام (رَكْعَتَيْنِ، فَطَافَ): بالفاء، ولأبي ذرٍّ بالواو، والأولى أولى لإفادتها أن السَّعي بعد الطَّواف (بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعاً): أي: فلم يتحلَّل من عمرتهِ حتى سعَى.
          (وَقَدْ): بالواو لأبي الوقت والجملة حالية، ولغيره: <لقد> (كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ إِسْوَةٌ): بكسر الهمزة وضمها (حَسَنَةٌ): أي: فالاقتداءُ به عليه السلام واجبٌ فلا يحلُّ لهذا الرجل أن يجامعَ امرأته حتى يسعى.
          وهذا معنى قول الكرمانيِّ: فإن قلت: ما وجهُ مطابقة الجواب للسؤال؟ قلت: معناه: لا يحلُّ له؛ لأن رسولَ الله صلعم واجبُ المتابعة، وهو لم يتحلَّل من عمرتهِ حتى سعَى، انتهى.
          وهو كلامٌ حسنٌ لا يردُّ عليه اعتراضُ العيني بقوله: لا يحتاج إلى هذا التقدير؛ لأنه جوابٌ مطابق للسؤالِ مع زيادة، أما الجوابُ فهو قوله: ((فطَافَ بين الصَّفا والمروَةَ سبْعاً))، وأمَّا الزيادة فهو قوله: ((فطَافَ بالبَيتِ سَبعاً... إلخ)) وفائدتهما: أن السُّؤال عن المعتمرِ إذا لم يسع، والجواب: أن العمرةَ هي الطَّواف بالبيت والسَّعي بين الصَّفا والمروة فلا يجوز له قربان امرأتهِ / حتى يأتيَ بالطَّواف والسَّعي، انتهى فتأمَّله.
          فإن آخرهُ يرجعُ لحاصلِ كلام الكرمانيِّ، وأما أوَّله فلا يفيدُ الجواب؛ لأن السَّؤال ليس عن الطَّواف بين الصَّفا والمروة سبعاً، بل عن جوازِ إتيانِ الرجل امرأتهُ إذا لم يسع.
          وقوله: إن العمرةَ هي الطَّواف، والسَّعي فيه أنها كما في ((الملتقى)) و((شرحه)): عند الإحرامِ والطَّواف والسَّعي والحلق أو التَّقصير، لكن الإحرامَ شرطٌ، وقيل: ركنٌ، ومعظم الطَّواف ركنٌ وغيرهما واجبٌ، وهو المختارُ، انتهى فافهم.
          (وَسَأَلْنَا): بسكون اللام (جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ): أي: الأنصاري (☻ فَقَالَ: لاَ يَقْرَبَنَّهَا): بالتوكيد بالنون المشددة (حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ): أي: سبعاً؛ لأنه ركنٌ يتوقَّف التَّحلل عليه، فلا يجبرُ بدم خلافاً للحنفيَّة؛ لأنه عندهُم واجبٌ لثبوته بالآحاد.
          قال العينيُّ: فلو بقيَ منها بعض خطوةٍ لم يصحَّ سعيهُ، انتهى.
          وفيه: أنه عندهم واجبٌ، وهو إذا أتى بمعظمهِ كفَى، فراجعهُ وتأمَّله.
          والمطابقةُ في الحديثِ ظاهرةٌ.