-
مقدمة كتاب الفيض الجاري
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
[كتاب التيمم]
-
كتاب الصلاة
-
[كتاب مواقيت الصلاة]
-
[كتاب الأذان]
-
كتاب الجمعة
-
[أبواب صلاة الخوف]
-
[كتاب العيدين]
-
[كتاب الوتر]
-
[كتاب الاستسقاء]
-
[كتاب الكسوف]
-
[أبواب سجود القرآن]
-
[أبواب تقصير الصلاة]
-
[أبواب التهجد]
-
[كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة]
-
[أبواب العمل في الصلاة]
-
[أبواب السهو]
-
[كتاب الجنائز]
-
[كتاب الزكاة]
-
[أبواب صدقة الفطر]
-
كتاب الحج
-
باب وجوب الحج وفضله
-
باب قول الله تعالى: {يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر}
-
باب الحج على الرحل
-
باب فضل الحج المبرور
-
باب فرض مواقيت الحج والعمرة
-
باب قول الله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}
-
باب مهل أهل مكة للحج والعمرة
-
باب ميقات أهل المدينة ولا يهلوا قبل ذى الحليفة
-
باب مهل أهل الشام
-
باب مهل أهل نجد
-
باب مهل من كان دون المواقيت
-
باب مهل أهل اليمن
-
باب: ذات عرق لأهل العراق
-
باب [نزول البطحاء والصلاة بذي الحليفة]
-
باب خروج النبي على طريق الشجرة
-
باب قول النبي العقيق واد مبارك
-
باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب
-
باب الطيب عند الإحرام وما يلبس إذا أراد أن يحرم ويترجل ويدهن
-
باب من أهل ملبدًا
-
باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة
-
باب ما لا يلبس المحرم من الثياب
-
باب الركوب والارتداف في الحج
-
باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر
-
باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح
-
باب رفع الصوت بالإهلال
-
باب التلبية
-
باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال عند الركوب
-
باب من أهل حين استوت به راحلته
-
باب الإهلال مستقبل القبلة
-
باب التلبية إذا انحدر في الوادي
-
باب: كيف تهل الحائض والنفساء
-
باب من أهل في زمن النبي كإهلال النبي
-
باب قول الله تعالى: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج}
-
باب التمتع والإقران والإفراد بالحج
-
باب من لبى بالحج وسماه
-
باب التمتع
-
باب قول الله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}
-
باب الاغتسال عند دخول مكة
-
باب دخول مكة نهارًا أو ليلًا
-
باب: من أين يدخل مكة؟
-
باب: من أين يخرج من مكة؟
-
باب فضل مكة وبنيانها
-
باب فضل الحرم
-
باب توريث دور مكة وبيعها
-
باب نزول النبي مكة
-
باب قول الله تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنًا}
-
باب قول الله تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام}
-
باب كسوة الكعبة
-
باب هدم الكعبة
-
باب ما ذكر في الحجر الأسود
-
باب إغلاق البيت ويصلي في أي نواحي البيت شاء
-
باب الصلاة في الكعبة
-
باب من لم يدخل الكعبة
-
باب من كبر في نواحي الكعبة
-
باب كيف كان بدء الرمل
-
باب استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوف ويرمل ثلاثًا
-
باب الرمل في الحج والعمرة
-
باب استلام الركن بالمحجن
-
باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين
-
باب تقبيل الحجر
-
باب من أشار إلى الركن إذا أتى عليه
-
باب التكبير عند الركن
-
باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة قبل أن يرجع إلى بيته
-
باب طواف النساء مع الرجال
-
باب الكلام في الطواف
-
باب: إذا رأى سيرًا أو شيئًا يكره في الطواف قطعه
-
باب: لا يطوف بالبيت عريان ولا يحج مشرك
-
باب: إذا وقف في الطواف
-
باب: صلى النبي لسبوعه ركعتين
-
باب من لم يقرب الكعبة ولم يطف حتى يخرج إلى عرفة
-
باب من صلى ركعتي الطواف خارجًا من المسجد
-
باب من صلى ركعتي الطواف خلف المقام
-
باب الطواف بعد الصبح والعصر
-
باب المريض يطوف راكبًا
-
باب سقاية الحاج
-
باب ما جاء في زمزم
-
باب طواف القارن
-
باب الطواف على وضوء
-
باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر الله
-
باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة
-
باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت.
-
باب الإهلال من البطحاء وغيرها للمكي وللحاج إذا خرج
-
باب: أين يصلي الظهر يوم التروية؟
-
باب الصلاة بمنى.
-
باب صوم يوم عرفة
-
باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة
-
باب التهجير بالرواح يوم عرفة
-
باب الوقوف على الدابة بعرفة
-
باب الجمع بين الصلاتين بعرفة
-
باب قصر الخطبة بعرفة
-
باب التعجيل إلى الموقف
-
باب الوقوف بعرفة
-
باب السير إذا دفع من عرفة
-
باب النزول بين عرفة وجمع
-
باب أمر النبي بالسكينة عند الإفاضة وإشارته إليهم بالسوط
-
باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة
-
باب من جمع بينهما ولم يتطوع
-
باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما
-
باب من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون
-
باب من يصلي الفجر بجمع
-
باب: متى يدفع من جمع؟
-
باب التلبية والتكبير غداة النحر حين يرمي الجمرة
-
باب: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي}
-
باب ركوب البدن
-
باب من ساق البدن معه
-
باب من اشترى الهدي من الطريق
-
باب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم
-
باب فتل القلائد للبدن والبقر
-
باب إشعار البدن
-
باب من قلد القلائد بيده
-
باب تقليد الغنم
-
باب القلائد من العهن
-
باب تقليد النعل
-
باب الجلال للبدن
-
باب من اشترى هديه من الطريق وقلدها
-
باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن
-
باب النحر في منحر النبي بمنى
-
باب من نحر هديه بيده
-
باب نحر الإبل مقيدة
-
باب نحر البدن قائمة
-
باب لا يعطى الجزار من الهدي شيئًا
-
باب يتصدق بجلود الهدي
-
باب: يتصدق بجلال البدن
-
باب: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت}
-
باب: ما يأكل من البدن وما يتصدق
-
باب الذبح قبل الحلق
-
باب من لبد رأسه عند الإحرام وحلق
-
باب الحلق والتقصير عند الإحلال
-
باب تقصير المتمتع بعد العمرة
-
باب الزيارة يوم النحر
-
باب: إذا رمى بعد ما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ناسيًا أو جاهلًا
-
باب الفتيا على الدابة عند الجمرة
-
باب الخطبة أيام منى
-
باب: هل يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكة ليالي منى؟
-
باب رمي الجمار
-
باب رمي الجمار من بطن الوادي
-
باب رمي الجمار بسبع حصيات
-
باب من رمى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره
-
باب: يكبر مع كل حصاة
-
باب من رمى جمرة العقبة ولم يقف
-
باب: إذا رمى الجمرتين يقوم ويسهل مستقبل القبلة
-
باب رفع اليدين عند جمرة الدنيا والوسطى
-
باب الدعاء عند الجمرتين
-
باب الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الإفاضة
-
باب طواف الوداع
-
باب: إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت
-
باب من صلى العصر يوم النفر بالأبطح
-
باب المحصب
-
باب النزول بذي طوى قبل أن يدخل مكة
-
باب من نزل بذى طوى إذا رجع من مكة
-
باب التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية
-
باب الإدلاج من المحصب
-
باب وجوب الحج وفضله
-
[أبواب العمرة]
-
[أبواب المحصر]
-
[كتاب جزاء الصيد]
-
[أبواب فضائل المدينة]
-
كتاب الصوم
-
[كتاب صلاة التراويح]
-
[أبواب الاعتكاف]
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
[كتاب الشفعة]
-
[كتاب الإجارة]
-
[كتاب الحوالة]
-
[كتاب الكفالة]
-
كتاب الوكالة
-
[كتاب المزارعة]
-
[كتاب المساقاة]
-
[كتاب الاستقراض]
-
[كتاب الخصومات]
-
[كتاب في اللقطة]
-
[كتاب المظالم]
-
[كتاب الشركة]
-
[كتاب الرهن]
-
[كتاب العتق]
-
[كتاب المكاتب]
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
[كتاب الصلح]
-
[كتاب الشروط]
-
كتاب الوصايا
-
[كتاب الجهاد والسير]
-
[كتاب فرض الخمس]
-
[كتاب الجزية والموادعة]
-
كتاب بدء الخلق
-
[كتاب أحاديث الأنبياء]
-
[كتاب المناقب]
-
[كتاب فضائل الصحابة]
-
[كتاب مناقب الأنصار]
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
░123▒ (باب: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ}) أي: واذكر وقتَ إذْ جعلنا لإبراهيم ({مَكَانَ الْبَيْتِ}) أي: موضع الكعبةِ مباءةً يرجع إليه للعبادةِ والعمارة، ولامُ (({لإِبْرَاهِيْمَ})) صلةٌ لقوله تعالى: {لَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [يونس:93] وقيل: ليست بزائدةٍ؛ لأن المعنى: واذكر إذ بيَّنَّا مكانَ البيت وجعلناهُ لإبراهيم مباءةً، وقال: مكان البيت لأنَّ البيتَ لم يكنْ حينئذٍ موجُوداً لرفعهِ إلى السَّماء، أو اندراسهِ أيَّام الطُّوفان فأعلمهُ الله مكانهُ بريحٍ أرسلها فكشفت ما حولهُ فبنَاه على بنائهِ القديم.
وقال ابن بطَّالٍ: روى معمر عن قتادة قال: ((وضعَ اللهُ البيتَ مع آدمَ حين أُهبِط إلى الأرضِ وكان مهبطُهُ بأرض الهند، ففقد أصوات الملائكةِ وتسبيحهم، فشَكا ذلك إلى الله فقال له: يا آدمُ أهبطتُ لك شيئاً يُطافُ به كما يُطافُ حولَ عرشي، ويُصلَّى عندهُ كما يُصلَّى حول عرشِي، فانطلقَ إليه، فخرجَ ومدَّ له في خطوهِ فكان بين كلِّ خطوتين مَفازة ليسلك مَفازة، وأتى آدمُ البيت فطافَ به ومن بعدهُ، ثمَّ بوأ الله مكانهُ لإبراهيم بعد الغرقِ)) انتهى.
({أَنْ لاَ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً}) (({أَنْ})) مفسرة أو مصدرية مخففة من الثَّقلية أو غير مخففة، وعليهما فـ(({تُشْرِكْ})) مجزوم بـ(({لَا})) الناهية، وقيل: مصدريةٌ غيرُ مخففةٍ من الثَّقلية على تقدير: وأمرناهُ أنْ لا يشركَ.
واستشكلَ كونَ أن تفسيرية؛ لأنَّه لا يصحُّ تفسير التَّبوئة بالنَّهي عن الإشراكِ وتطهيرِ البيت.
وأُجيب: بأنَّ المقصُودَ من التَّبوئةِ هو العبادةُ، فكأنه قيل: تعبُّدُنا لإبراهيمَ هو أن لا تُشركَ بي شيئاً، وقرئ: ▬أن لا يشرك↨ بياء الغيبة.
({وَطَهِّرْ بَيْتِيَ}) أي: الكعبةَ من الإشرَاك برفع الأصنَام والأوثان منها، وقرأ نافعٌ وحفص وهشام: بفتح الياء ({لِلطَّائِفِينَ}) أي: حولهُ وأقلُّه سبعُ مراتٍ ({وَالْقَائِمِينَ}) أي: المقيمينَ هناك ({وَالرُّكَّعِ}) بتشديد الكاف، جمع: راكع ({السُّجُودِ}) جمع: ساجدٍ، نعتٌ للركَّع، ولم يذكر الواو بين الركع السُّجود لكمَال الاتِّصالِ بين الركوعِ والسُّجود لعدم انفَكاكِ أحدهما عن الآخرِ في الصَّلاة، وينفكُّ الطوافُ عن الصَّلاة، وكذا القيامُ عن الركوعِ، / فليس بينهما كمَالُ اتصَالٍ.
وقيل: المرادُ بـ{القَائِمِيْنَ} المعتكفون بمشَاهدةِ الكعبة، وبـ{الرُّكَّعِ السُّجُودِ} المصلُّون، وعبَّر عن الصلاة بأركانها.
قال البيضَاوي: لعله للدَّلالة على أنَّ كلَّ واحدٍ منهما مستقلٌّ باقتضَاء ذلك، كيف وقد اجتمعت ({وَأَذِّنْ}) بكسر الذال المعجمة؛ أي: نادِ ({فِي النَّاسِ}) وقرئ: ▬وآذِن↨ بمدِّ الهمزة وكسر الذال مخففة؛ أي: ادعُهُم له، روي أنه صعدَ أبا قبيس، وقيل: على مقامهِ، وقيل: على الحجر، وقيل: على الصَّفا فقال: ((يا أَيُّها الناس حجُّوا بيتَ ربِّكُم)) وقيل: إنه قال: ((إنَّ ربَّكُم اتَّخذَ بيتاً فحُجُّوهُ فأسمعهُ الله مَن في أصْلابِ الرِّجالِ، وأرحام النِّساءِ فيما بين المشرقِ والمغربِ ممَّن سبقَ في علمِ الله أنه يحجُّ)).
وقال القسطلاني: فأجابه كل ملبي من شجرٍ وحجر ومَن كتبَ له الحجُّ إلى يوم القيامة. انتهى.
وليتأمَّل ما حكمةُ إجابة الشَّجر والحجر إنْ ثبتَ.
قيل: إنَّ إبراهيمَ عليه السلام لما أمرهُ الله بالنِّداءَ قال: يا ربِّ وما يبلُغُ صَوتي، قال: عليكَ الأذانُ وعليَّ البلاغ وقيل: الخطابُ في أذَّن لرسُولِ الله صلعم وكان ذلك في حجَّة الوداع.
({يَأْتُوْكَ}) مجزومٌ بحذف النون في جوابِ الأمر؛ أي: الناسُ، والجملةُ حالٌ من الناس ({رِجَالاً}) أي: مشاة، جمع: راجل، حال مترادفةٌ أو متداخلةٌ، وقرئ: ▬رُجالاً↨ بضم الراء وتخفيف الجيم وتثقيلها، وقرئ: ▬رِجَالَى↨ كعجالى.
({وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ}) أي: وركباناً على كلِّ ضامرٍ مهزولٍ أتعبَه بُعدُ السَّفر، والجملةُ صفةٌ {كُلِّ} أو {ضَامِرٍ} محمولةٌ على معناه، وقرئ: ▬يأتون↨ على أنَّ ضميرَه للناس فهو صفةٌ لـ{رِجَالاً} أو لـ{رُكْبَاناً} المقدر أو استئناف.
({مِنْ كُلِّ فَجٍّ}) أي: طريق ({عَمِيقٍ}) أي: بعيد، وقرأ ابن مسعود: ▬مَعيق↨ بفتح الميم بمعنى: عميق ({لِيَشْهَدُوا}) متعلقٌ بـ{يَأْتِيْنَ} أي: ليحضروا ({مَنَافِعَ لَهُمْ}) دينية أو دنيويَّة.
({وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ}) أي: عند إعدادِ الهدايا والضَّحايا وذبحها، وقيل: كنَّى بالذكر عن النَّحر؛ لأنَّ ذبحَ المسلمين لا ينفكُّ عنه تنبيهاً على أنه المقصُودُ ممَّا يُتقرَّب به إلى الله تعالى ({فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}) هي عشرُ ذي الحجة، وقيل: تسعةُ أيام منه، وقيل: أيام التَّشريق، وقيل: خمسةُ أيام أولها يوم التَّروية، وقيل: ثلاثة أيَّامٍ أولها يوم عرفة، وقيل: يومُ العيدِ والثلاثة بعده.
ويؤيِّدهُ قوله: ({عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}) فإنه علَّق الفعلَ بالمرزوق، وبيَّنهُ بالبهيمة تحريضاً على المقرَّب، وتنبيهاً على مقتضَى الذكر ({فَكُلُوا مِنْهَا}) أي: من لحومها، والأمرُ للإباحةِ إزاحةً لما عليه أهل الجاهليَّةِ من التَّحرُّج منه، وقيل: للوجُوب، والأصحُّ أنه للاستحبَابِ لما فيهِ من مواسَاة الفقراء، ولأنَّهُ عليه السلام أمر عليًّا كما تقدَّم أنْ يأخُذَ من كلِّ بَدَنَةٍ من بُدْنِه بضعةً، فطبخت وأكلا منها، وهذا عند الأكثرين في المتطوعِ بها؛ لأنَّ الواجبَ لا يجوزُ الأكلُ منه ({وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ}) أي: الذي أصابهُ بؤسٌ؛ أي: شدَّة الفقرِ، قاله العينيُّ.
وعليه فقوله: ({الْفَقِيرَ}) أي: المحتاج، تأكيد، والأمرُ فيه للوجُوب، ولا بدَّ في الهديِ من إطعامِ ثلاثة فقراءٍ أو مساكينَ ({ثُمَّ لْيَقْضُوا}) أي: ليزيلوا ({تَفَثَهُمْ}) أي: وسخهم بقصِّ الشَّاربِ والأظفار، ونتفِ الإبطِ وحلقِ الرأس والعَانة ونحو ذلك، وقيل: مناسك الحجِّ.
({وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}) أي: ما ينذرون من البرِّ في حجِّهم، وقيل: هو واجبُ الحج، ونذور، جمع: نَذْرٍ، وقيل: هو مصدرُ نَذَرَ، يقال: نذرَ على نفسه؛ أي: أوجبَ، يُنذِر _بالضم والكسر_ نذراً ونذوراً، وقرأ أبو بكر: ▬وليوَفَّوا↨ بفتح الواو وتشديد الفاء.
({وَلْيَطَّوَّفُوا}) أي: طوافَ الرُّكن، وقيل: طواف الوداع ({بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}) أي: القديم؛ لأنه أوَّلُ بيتٍ وُضِع للنَّاس، وقيل: المعتَق من تسلُّطِ الجبابرة، فكم من جبَّارٍ قصده ليخربهُ، فمنعهُ الله منه.
وأما الحجَّاج: فإنما قصد إخراجَ ابنَ الزبير دون تخريب البيت، ولذا نقضهُ وبناه كما كان، وقيل: سُمِّي البيتُ بالعتيق؛ لأنَّ اللهَ يعتقُ فيه رقابَ المذنبين من العذاب، ونسبةُ الإعتاقِ إليه مجازيَّةٌ، إذ بالطَّوافِ به يحصلُ إعتاقه، فلا يردُّ اعتراض ابن عطية على هذا الوجه بأنه يردُّه التَّصْريف، فافهم.
وقيل: سُمِّي بالعتيق؛ لأنه لم يُملكْ قط، وقيل: لأنه أُعتقُ من الغرقِ يوم الطوفان.
({ذَلِكَ}) خبرٌ لمحذوفٍ؛ أي: الأمر ذلك، قال البيضَاوي: هو وأمثاله يطلقُ للفصل بين الكلامين ({وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ}) جمع: حرمةٍ؛ أي: أحكامهُ وسائر ما لا يحلُّ هتكه، وقيل: الحرم وما يتعلق بالحجِّ، وقيل: الكعبةَ والمسجد الحرام والبلد الحرام والشَّهرَ الحرام والإحرام ({فَهُوَ}) أي: فالتَّعظيم المذكور ({خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ}) أي: من تعظيمِ حرماتِ الله من حيث الثَّواب.
تنبيه: هكذا وقعَ في رواية كريمة سياق الآيات بعد باب كما شرحنا من الابتداء بقوله: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ} إلى أنْ ختم بقوله: / {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ}.
وبذلك صرَّحَ في ((الفتح)) وقال: المرادُ منها هنا قولُهُ تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] قال: ولذلك عطف عليها في الترجمة، وما يأكلُ من البُدْن وما يُتصدَّق؛ أي: بيان المرادِ من الآية. انتهى.
واعترضهُ العينيُّ: بأنَّ المذكورَ في بعض النُّسخ: <باب لا يأكل... إلخ> بعد قوله: {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} قال: وأينَ العطفُ في هذا، وكلُّ واحدٍ من البابين ترجمةٌ مستقلة؟.
قال: والظَّاهرُ أنَّ المصنِّفَ لم يجدْ في الترجمةِ الأولى حديثاً يطابقها على شرطهِ، أو ماتَ قبل أنْ يضعهُ قال: وأقربُ منه أنَّ هذه الآيات مشتملةٌ على أحكامٍ فذكرهنَّ تنبيهاً عليها، وهي تطهيرُ البيت للطَّائفين والمصلين... إلخ. انتهى ملخَّصاً.
قال القسطلاني: وهذا عجيبٌ منه، فإنَّ قولَه في معظم النُّسخ: باب يشعر بحذفه في بعضٍ آخر، ولا مانعَ أنْ يعتمدَ الحافظُ ابنُ حَجر الحذف، بل صرَّحَ بأنه الصَّوابُ، وأنه روايةُ أبي ذرٍّ مع ثبوت واو العطف قبل قوله: ما يأكلُ من البُدْن. انتهى فتدبَّر.
وقال القسطلاني أيضاً: ورواية أبوي ذرٍّ والوقت: <{يَأْتُوْكَ رِجَالاً} إلى قوله: {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ}> فحذفا ما ثبت عند غيرهما مما ذُكِر من الآيات. انتهى فتأمَّل.
قوله: ((ورواية أبوي ذرٍّ والوقت {يَأْتُوْكَ رِجَالاً}... إلخ)) فإنه قد يُفهم أنهما لم يذكرا صدر الآيات، ولعلَّ مرادَهُ أنهما ذكرا صدرها، لكن لما وصلا إلى قوله: {يَأْتُوْكَ رِجَالاً} قالا إلى قوله: {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} ويؤيِّدُ هذا ما رأيتهُ في نسخةٍ عندي صَحيحةٍ، لكن على هامشها مكتوبٌ بالأحمر بعد قوله بزيادة: (({وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ})) ورأيت في نسخةٍ صحيحةٍ هكذا: <باب {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} إلى قوله: {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ}> فقط.