الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن

          ░115▒ (بابُ ذَبْحِ الرَّجُلِ الْبَقَرَ) ذَبح _بفتحِ الذال_ مصدرٌ مضافٌ إلى فاعله، والبَقَر _بفتحتين_ مفعوله ومثله الإبل والغنم، ولا فرقَ فيها بين كونها هدياً أو أضْحيةً أو غيرهما، وهذا مذهبُ المصنِّف وكثيرين منهم الحنفيَّة (عَنْ نِسَائِهِ) المرادُ الجنس فيصدق بالواحدةِ (مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِنَّ) أي: إذنهنَّ، والمرادُ جوازُ ذبحه عنهنَّ مِن غير إذنهنَّ.
          وقال العينيُّ: معنى التَّرجمة الاستفهام؛ أي: هل يجزئ ذبحُ الرَّجلِ البقرَ عن نسائهِ مِن غير أمرِهنَّ إذا وجبَ عليهنَّ، وجوابه: أنه مجزئٌ كما يفهم من حديث الباب، ولذا قال المهلَّبُ في حديثِ عائشةَ: من الفقهِ أنَّ مَن كفَّر عن غيره كفَّارةَ يمينٍ أو كفَّارة ظهارٍ أو قتل أو أهدى عنهُ أو أدَّى عنه ديناً كان ذلك مجزئاً. انتهى.
          وهذا في الواجبِ كما أشرنا إليه، وسيأتي فيه وفي غيرهِ كلامٌ آخر الباب.
          قال في ((الفتح)): عبَّرَ بالذَّبحِ مع أنَّ حديثَ البابِ بلفظ النحر إشارةٌ إلى ما وردَ في بعض طرقهِ بلفظ: الذَّبحُ ونحرُ البقرِ جائزٌ عند العلماءِ إلا أنَّ ذبحَها مستحبٌّ عندهم؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:67].
          واستحبَّ الحسنُ بن صالحٍ نحرها ثمَّ قال: وأما قولُه: ((من غير أمرهنَّ)) فأخذهُ من استفهام عائشةَ عن اللَّحم لما دخلَ به عليها، ولو كان ذبحُهُ بعلمها لم تحتجْ إلى الاستفهام، لكنَّ ذلك ليس دافعاً للاحتمالِ لجواز أنْ يكونَ استأذنهنَّ في ذلك قبلُ، ولما دخلَ عليها اللَّحم جوزت أنْ يكونَ هو الذي أذنتْ فيه أو غيرهُ. انتهى.