الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: صلى النبي لسبوعه ركعتين

          ░69▒ (بَابٌ: صَلَّى): ماض، وفي بعض النُّسخ: <صلاة> مصدراً (النَّبِيُّ): وفي بعضِ الأصول: <رسول الله> (صلعم لِسُبُوعِهِ): بلام التعليل وضم السين المهملة والموحدة، لغةٌ قليلة في أسبوع.
          وقال ابنُ التين: جمع: سُبع _بضم السين_ كبردٍ وبرود.
          وضبطهُ في ((حاشية الصحاح)): بفتح أولهما كضَرب وضَروب، وجمع: أُسبوع _بضم الهمزة_ أَسَابِيع وأُسبُوعَات كما في ((المصباح))، وعلى الجميعِ فالمراد: صلى النَّبي صلعم لطوافهِ سبع مرَّات (رَكْعَتَيْنِ): أي: فهما سنة للطَّواف خلافاً للحنفية؛ فإنهم يرونَ وجوبهما، وسيأتي آخرَ الباب الكلام عليهما مستوفًى.
          (وَقَالَ نَافِعٌ): أي: مولى ابن عمر، مما وصله عبد الرَّزاق عن الثَّوري عن ابن عُقبة عن سالم قال: (كَانَ ابْنُ عُمَرَ): أي: ابن الخطَّاب (☻ يُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ): ولفظ معمر عن أيُّوب عن نافع: أن ابن عُمر كان يكرَه قرنَ الطَّواف، ويقول: على كلِّ سبع صلاةٍ ركعتين، وكان لا يقرن.
          (وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ): بضم الهمزة وفتح الميم خفيفة وتشديد التحتية، وأميَّة: ابن عَمرو بن سعِيد _بكسر العين_ ابن العاصي الأموي المكي، ممَّا وصلهُ عبد الرَّزاق (قُلْنَا لِلزُّهْرِيِّ): أي: محمَّد بن شهاب (إِنَّ): بكسر الهمزة وتشديد النون (عَطَاءً): أي: ابن أبي رباحٍ (يَقُولُ: تُجْزِئُهُ): بضم الفوقية وفتحها مع الهمزة وتركها فيهما؛ أي: تكفيهِ وتغنيه (الْمَكْتُوبَةُ): أي: الصَّلاة المفروضة (مِنْ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ): و((من)): بمعنى عن.
          (فَقَالَ): أي: الزُّهري (السُّنَّةُ): أي مراعاةُ سنَّة النَّبي (أَفْضَلُ): أي: أكثرُ ثواباً، أو المرادُ: صلاة سنة ركعتي الطواف أفضلُ من الاكتفاءِ بالمكتوبة، لكن يبعدهُ قوله: (لَمْ يَطُفِ): بضم الطاء (النَّبِيُّ صلعم / سُبُوعاً): بضم السين بلا همز (قَطُّ): أي: فيما مضى من عُمره (إِلاَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ): أي: للطَّواف من غيرِ الفريضة.
          ووصلهُ ابن أبي شيبة مختصراً عن يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أميَّة عن الزُّهري قال: مضتِ السُّنَّة أن مع كلِّ أسبوعٍ ركعتين، ومرادُ الزُّهري: أن يستدلَّ على أنَّ المكتوبةَ لا تُجزِئ عن ركعتي الطَّواف وفي استدلاله نظر كما في ((الفتح))؛ لأن قوله: ((إلا صلَّى ركعتين)): أعمُّ من كونهما فرضاً أو نفلاً؛ لأن الصُّبح ركعتان فتدخلُ في ذلك.
          وأُجيب: بأن المتبادرَ الأول، ولعلَّه أرادَ أن الأفضلَ ذلك، لا أنه لا تجزئُ الفريضة، فقد قال الشَّافعي: يتأدَّى النفلُ الذي للطَّواف بالفريضةِ نواها أم لا، ومثلهُ عند الحنابلة.
          وقال الحنفيَّة: لا تجزئُ المكتوبة، وقال بعض الشافعيَّة: إن قلنا: إن صلاة ركعتي الطَّواف سنة _وهو الأصحُّ عند الجمهور_ أجزأَ عنها غيرها، وإن قلنا: إنها واجبةٌ فلا تسقطُ بفعل الفريضةِ كالظُّهر.
          واعلم أنَّ القِرَان بين الأسابيع من غير صلاةٍ خلاف الأولى؛ لأنه لم يفعلْه عليه السلام مع قوله: ((خُذُوا عنِّي مناسِكَكُم))، لكن في الجزء السَّابع من أجزاء ابن السَّماك بسندٍ ضعيفٍ عن أبي هريرة: ((أنَّه صلعم طافَ ثلاثَةَ أسَابِيع جميعاً، ثمَّ أتى المقامَ فصَلَّى خلفَهُ ستَّ ركعَاتٍ يُسلِّم من كلِّ رَكعَتَين))، انتهى.
          وأجازهُ الجمهورُ من غير كراهةٍ، وفصَّل بعضُهم فقال: إن طافَ بعد صلاةِ الصُّبح أو العصر أخَّر الصلاة إلى غروب الشَّمس أو طُلوعها وقرن بين الصَّلوات، وإلا صلَّى لكلِّ أسبوعٍ ركعتين، وهذا مرويٌّ عن المسور بن مخرَمَة، كما في ابنِ أبي شيبةَ بإسنادٍ جيدٍ.
          وفي ((منتهى الحنابلة)) و((شرحه)) لمصنفه: وله جمعُ أسابيع، لكلِّ أسبوع ركعتان، وممَّن فعل ذلك عائشة والمسور بن مخْرَمة، قال: وكرهَ ذلك مالكٌ وأبو حنيفة؛ لأن النبيَّ لم يفعله؛ ولأن تأخير الرَّكعتين عن طوافهما يخلُّ بالموالاة، ولنا: أن الموالاة غير معتبرةٍ بين الطَّواف والرَّكعتين، وكونُ النَّبي لم يفعلهُ لا يوجبُ كراهته، انتهى ملخَّصاً.
          والمطابقةُ في هذه الآثارِ ظاهرةٌ.