الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الاغتسال عند دخول مكة

          ░38▒ (بَابُ الاِغْتِسَالِ): أي: استحبابهُ (عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ): أي: عند إرادةِ دخولها قريباً منها.
          قال ابنُ المنذر: الاغتسالُ عند دخول مكَّةَ مستحبٌّ عند جميعِ العلماء، وليس في تركهِ عندهم فديةٌ، وقال أكثرهم: يجزِئ عنه الوضوء، وكان ابنُ عمر يتوضَّأُ أحياناً ويغتسلُ أحياناً، وروى ابنُ نافع عن مالك: أنه استحبَّ الأخذ بقولِ ابن عُمر المذكور.
          وفي ((الموطأ)): أنَّ ابنَ عمر كان لا يغسلُ رأسَه وهو محرمٌ إلا من احتلامٍ، وظاهرهُ: أن غسلَه لدخولِ مكَّة كان لجسدهِ دون رأسهِ، انتهى.
          ولعلَّ مرادَ ابن المنذرِ بإجزاءِ الوضوء عنه: أنه لا شيءَ عليه في تركِ الغسل؛ لأنه يقومُ مقامَه في حصولِ الثَّواب به كالغسلِ.
          وقال ابن بطَّال: وأوجبَ الغسلَ أهلُ الظَّاهر فرضاً على من أرادَ أن يُحرِم وإن كان طاهراً، والأمةُ على خلافهم، انتهى.
          فهو سنَّةٌ لمن أرادَ دخول مكة ولو حائض ونفساء وحلال، إلا من أحرمَ من موضعٍ قريبٍ كالتَّنعيم مثلاً، واغتسلَ للإحرام أو دخلَ عقبه فلا يسنُّ له الغسلُ لدخولها؛ لحصولِ النظافة بالغسلِ للإحرام، ويكرهُ له تركُ الاغتسالِ، وكذا إحرامهُ جنباً أو حائضاً أو نفساء انقطع دمهما لتمكُّنهم من الطَّهارةِ بخلافه قبلَ الانقطاعِ، ولو عجزَ عن الغسل لفقد الماءِ أو لخوف ضررٍ تيمَّم، فلو وجدَ ما لا يكفيه توضَّأَ به، كما حكاهُ الرافعي عن البغوي وأقرَّهُ.
          وقال النووي: إن أرادَ أن يتوضأ ثم يتيمَّمَ فحسنٌ، وإن أرادَ الاقتصارَ على الوضوءِ فليس بجيِّدٍ؛ لأنَّ المطلوب الغسل، والتَّيمُّم يقومُ مقامه دون الوضوءِ، انتهى.
          وهو يؤيِّد ما قدمناهُ أنه لا يقومُ مقامَ الغسلِ، فتأمَّل.